وقيل: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ}: أي: المُبْطِل، وأنشَدوا فيه:
كِلِيني لهَمٍّ يا أُميمةُ ناصبِ... وليلٍ أُقاسيه بَطِيءِ الكواكبِ (١)
أي: مُنْصِب.
وقيل -وهو قولُ الكلبي ومقاتل رحمهما اللَّه-: لا يأتيه التَّكذيبُ مِن الكِتَاب الذي قَبْلَه، ولا يجيءُ مِن بعده كتابٌ يُكَذِّبُه (٢).
وقال قتادة: أي لا يستطيع الشيطان أنْ يُبطِلَ منه حقًّا، أو يزيدَ فيه باطلًا (٣).
ومجازُ هذا: أنَّ ما بين يدَيِ الشيء هو ما حضرَه، والحقُّ في القرآن كذلك، وما خَلْفَ الشيء ما ليس فيه، وكذلك الباطلُ ليس في القرآن.
ووجهٌ آخَرُ: أنَّ الحقَّ مِن حَقَه أنْ يُقَدَّمَ، والباطلَ مِن حَقِّه أنْ يُخلَّفَ.
وقيل: مجازُه: أنَّه مُمتنِعٌ مِن أنْ يلحقَه تحريفٌ أو تبديلٌ أو زيادةٌ أو نُقْصانٌ أو إبطالٌ بجِهةٍ مِن الجهات.
وقولُه تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ}: مصدر بمعنى المفعول؛ أي: هو مُنزَلٌ مِن ربِّ حكيمٍ مُصيبٍ في أقواله وأفعاله.
{حَمِيدٍ}: محمودٍ بكل صفاته، مُستَحِقٍّ لحَمْد خَلْقِه.
(١) البيت للنابغة. انظر: "ديوان النابغة الذبياني" (ص: ٤٥)، و"تفسير الطبري" (١٤/ ٤٤)، و"تفسير الثعلبي" (٥/ ٣٣٧).
(٢) ذكره عنهما السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٢٢٩)، والواحدي في "الوسيط" (٤/ ٣٨).
(٣) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٧١٩)، والمحاسبي في "فهم القرآن" (ص: ٢٨٤)، والدارمي في "الرد على الجهمية" (٣٢٢)، وابن الضريس في "فضائل القرآن" (١٢٢)، والطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٤٤٤).