ووصَّاهم بلُزومه وإلزامِه قومَهم، وهو الذي أوحى إليكَ ووصَّاكَ به، وجُمْلتُه الثَّباتُ على الطاعة للَّه تعالى بالإخلاص، وبالانقياد له، والعملِ بما أمَرَ به، والتَّآلُفِ على هذا، وتَرْكِ التَّفَرُّقِ فيه، فإنَّ الأمر إذا انتظمَ على هذا زالَ الفسادُ، وظهَرَ العَدْلُ، وتَكافَّ الناس عن التَّظالُم، فتفرَّغوا لعِمارة دنياهم، وتبلَّغوا بها إلى إقامة دينهم، فاجتباهم اللَّهُ تعالى حينئذٍ إليه، واستخلَصَهم لعبوديته، وهداهم إلى الازدياد مما هم فيه.
ومعنى {شَرَعَ}: بيَّنَ المَسْلَكَ، وفتَحَ الطريق إلى مرضاته.
و {الدِّينِ}: هو الطاعة والانقياد.
وإقامةُ الدِّين: الدَّوامُ عليه بإحياء شروطه وحدوده.
وقيل: هو تقويمُه، وهو التوحيد والإخلاص.
وتخصيصُ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى هاهنا بالذِّكْر؛ لِمَا أنهم أصحابُ الشرائع.
وقولُه تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}؛ أي: شَقَّ عليهم دعاؤُك يا محمد إلى التوحيدِ، وتَرْكِ ما هم فيه مِن الشِّرْك.
والاجتباءُ: الاختيار، وأصلُه: الضمُّ، ومنه: جِبايةُ الخَرَاج، وجِبايةُ الماءِ في الحوض.
وقد وصلَه بـ (إلى)، فقال: {يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ}، فدلَّ على إرادة هذا الأصل؛ أي: يضمُّه ويُقَرِّبُه إلى كنَفِه، وكذلك قولُه: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}، وهو كقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبَرًا عن اللَّه تعالى: "مَن تقرَّبَ إليَّ شِبْرًا تقرَّبْتُ إليه ذراعًا" الحديث (١).
(١) رواه بتمامه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.