وقيل: هو الأمرُ بالمعروف، والنَّهْيُ عن المنكر، وإقامةُ الحدود، والتَّعزيرُ على الجاني، وهو إقامةُ الدِّين كما أمَرَ بها في الآيات المُتقدِّمة.
وقيل: {يَنْتَصِرُونَ}: أي: يَتناصرون فيما بينهم، فيَنْصُرُ بعضُهم بعضًا، يُقال: تناصَرَ القومُ وانتصروا؛ كما يُقال: تقاتلوا واقتتلوا.
* * *
(٤٠) - {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
وقولُه تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}: قيل: الأوَّلُ -وهو قوله: {يَنْتَصِرُونَ} - في جهاد الكفار، وهذا في مُعاملةِ أهلِ الإسلام؛ أي: وما جرى بينكم مَعاشِرَ المسلمين في عُدْوان بعضِكم على بعض في شيءٍ مِن نفْسٍ أو مال، فله أنْ يَجْزِيَه بمِثْلِ ذلك لا يَزيدُ عليها.
والأولى سَيَّئَةٌ؛ لأنَّها معصيةٌ، والجزاءُ ليس بمعصية؛ لأنَّه بإذن اللَّه، لكنْ سمَّاه سَيِّئةً للمُقابَلة، وكذلك قوله: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: ١٩٤.
وتسميةُ الجزاءِ بالأول في القرآن كثيرٌ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} التوبة: ٦٧، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} النساء: ١٤٢، {مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} البقرة: ١٤ - ١٥، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} الأنفال: ٣٠، {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} النحل: ١٢٦.
وقيل: معناه: مَن ساءَكم بجِناية في نفْسٍ أو مالٍ فسُوؤُوه بمِثْله اقتصاصًا.
ثم ندَبَ إلى الأَولى فقال:
{فَمَنْ عَفَا}: أي: ترَكَ الانتصارَ والمُجازاةَ {وَأَصْلَحَ}؛ أي: الجزاءُ يُورِثُ العداوةَ بين الفريقين والوَحْشةَ، فمَن أصلحَ بينهم (١).
(١) في (ف): "فمن عفى وأصلح بينكم"، وفي (ر): "فمن عفى وأصلح بينهم".