يعني: لم يقولوا هذا القولَ عن مُشاهدةٍ، ولا حُجَّةٍ عقليَّةٍ، ولا حُجَّةٍ سمعيَّةٍ، بل تقليدًا لآبائهم الضالين، وقالوا: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}؛ أي: أمرٍ مُجتَمَعٍ عليه {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}: راشدون.
وقولُه تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ}: أي: في بَلْدةٍ مِن رسول.
{إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا}: أي: جبابرتُها ومُتَنعِّمُوها مِثْلَ (١) هذا القول.
{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}: أي: مُتَّبِعون؛ أي: التَّقليدُ لأهل الجهل أمرٌ مُتقادِمٌ.
* * *
(٢٤) - {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
وقولُه تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}: أي: قل يا محمد لهؤلاء المُقَلِّدين: أرأيتم لو جئتُكم بما هو أرشدُ وأقومُ طريقةً مما وجدتُم عليه آباءَكم، وبانَ لكم ذلك، أتُقِيمون على تقليدكم أم تترُكُونه بهذا الاهتداء؟
فإنْ كانوا عُقلاء قالوا: نترُكُ التقليدَ، فإذا قالوا ذلك فقل لهم: هلُمُّوا أُرِكُمْ (٢) آيةً أهدى، فإنِ امتنعوا فقد حادوا (٣) ولم يُنْصِفوا، وأنْ أجابوا صاروا إلى النَّظَر، فحينئذ يبطُلُ التَّقْليد لوضوح حُجَجِ اللَّه.
وقرأ عاصمٌ في رواية حفصٍ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} (٤)، ومعناه: قال كلُّ نذيرٍ ذلك لقومه.
(١) "مثل" ليس من (أ).
(٢) في (أ): "فهلموا أريكم" بدل من "فقل لهم: هلموا أركم".
(٣) في (ر) و (ف): "جادلوا".
(٤) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٨٥)، و"التيسير" للداني (ص: ١٩٥)، وهي قراءة ابن عامر أيضًا.