{أَسْوِرَةٌ}، وهي جَمْع: سوارٍ، وقرأ الباقون: {أَسَاوِرَ}، وهي جَمْع الجَمْع (١).
أي: فهلَّا ألقى إليه ربُّه أساورةً مِن ذهب؛ تنبيهًا على محَلِّه؛ كالملِكِ يُطَوِّقُ مَن يُريدُ إكرامَه بطَوْقٍ ذهبٍ، ويُسَوِّرُه بسِوارِ ذهبٍ.
وقيل: إنَّ زينةَ الملوكِ كان هو التَّحَلِّي بالأَسْوِرة، فكأنه قال: فهلَّا أرسَلَ إلينا ملِكًا مِن الملوك رسولًا.
وقولُه تعالى: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}: أو هلَّا ضَمَّ إليه ملائكةً، فيكونون معه مُتَتابعِين؛ كالملِك يضُمُّ إلى رسوله أتباعًا يتكثَّرُ بهم ويتجمَّلُ، ويُصَرِّفُهم في أوامره ونواهيه.
ظنَّ اللَّعِينُ أنَّ ما قاله أهيبُ، وأنَّ رسلَ اللَّهِ بالجنود يَقْوَون (٢)، ولم يُفَكِّرْ في أنَّ هَيْبةَ موسى بعَصاه كانت أكبرَ منها بجنود الأرض كلِّهم أنْ لو جُمِعوا له، وهذا فوق التَّطْويقِ والتَّسْويرِ بالذهب، ولا يخفى على عاقل أنَّ اثنين إذا التقَيا في مَحْفلٍ، وعلى أحدهما ثيابٌ رَثَّةٌ وله عِلْمٌ وأدَبٌ، والآخر في ملابسَ فاخِرةٍ وبه جهلٌ وسفَةٌ، فالأوَّلُ أهيبُ في نفوسهم مِن الثاني.
واللَّعينُ قصَدَ بهذا التَّمْوِيهَ على الضَّعَفة، وكان شَبيهَ هذا قولُ مُشْركي قريش في حقِّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الزخرف: ٣١.
ثم قولُ اللَّعينِ: هلَّا أَلْقَى عليه ربُّه كذا، وهلَّا أرسَلَ معه الملائكةَ، ليس لإقراره باللَّه وملائكته ورسله، لكنْ بناهُ على قول موسى؛ يعني: إنْ كان الأمرُ على ما يقولُ (٣)، فهلَّا ضمَّ إليه ملائكتَه، وهلَّا أظهَرَ عليه تشريفَه وكرامَتَه.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٨٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١٩٧).
(٢) في (ر): "يقومون".
(٣) في (ر): "إن كان الأمر كما قال موسى".