{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}: يعني: محافلَ الاجتماعاتِ للتدبُّرِ في الأمور والتَّشاوُرِ فيها، وهو كقوله: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} مريم: ٧٣.
{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}: أي: تَنَعُّمٍ في عيش كانوا يتقلَّبُون فيه لاعِبين لاهِين.
{كَذَلِكَ}: أي: كذلك كان أمرُهم.
{وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ}: هم بنو إسرائيلَ؛ أي: نقَلْناها إليهم بعدَهم نَقْلَ الميراثِ.
فإنْ قيل (١): كيف كانت أموالُهم باقيةً حتى ورِثُوها وقد دعا موسى ربَّه فقال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} يونس: ٨٨، وقال اللَّه تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} يونس: ٨٩؟!
قُلنا: يحتملُ أنْ يكون طَمْسًا على ما سوى الجِنان والعُيون والزُّروع والمَقام الكريم، فجرى الإرثُ في ذلك.
* * *
(٢٩) - {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}.
وقولُه تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}: كان الكبيرُ في العرب إذا مات قالوا: بكَتْ له السماءُ والأرضُ، يَعْنون به أنَّ المصيبة به (٢) عمَّتِ الخَلْقَ، فبكى له الكلُّ؛ أي: لو جازَ أنْ يوجدَ مِن السماء والأرض بُكاءٌ على ميِّتٍ لَوُجِدَ منهما عليه.
وأرادَ به: أنَّه لم يظهَرْ بَعْدَهم مِن آثار المُصيبة بهم ما يَظْهَرُ في مَصائبِ ذوي الأَقْدار والأَخْطار؛ أي: ما بكى عليهم أهلُ السماء وأهلُ الأرض، فأُضمِرَ الأهلُ كما أُضْمِرَ في قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يوسف: ٨٢.
(١) في (أ): "قالوا".
(٢) في (ف): "قد".