وقولُه تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}: مِن الشمس والقمر والنُّجوم والجبال والنبات والبهائم؛ أي: ذلك كلُّه لِمَنافعِكم.
وقولُه تعالى: {مِنْهُ}: أي: كلُّ ذلك مِن عند اللَّه (١) وبأمره، لا يَقْدِرُ عليه غيرُه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: أي: لَعلاماتٍ دالَّةٍ على قُدْرَتِه لِمَن تدبَّرَ فيها.
وحُكِيَ عن عليِّ بن الحُسينِ بن واقدٍ المَرْوَزِيِّ (٢) أنَّه حضرَ مَجْلِسَ الرَّشيد، وكان نصرانيٌّ يحتَجُّ بقول اللَّه تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} النساء: ١٧١ أنَّ عيسى ولَدُ اللَّهِ؛ لأنَّ (مِن) دِلالةُ البَعْضِيَّة، فألزمَه عليُّ بن الحُسين بن واقدٍ بهذه الآية، وقال: إنْ كان جَميعُ ما في السماوات وما في الأرض أَبْعاضًا للَّه بهذه الكلمة صحَّ قولُه: عيسى ولَدُ اللَّهِ، بهذه الكلمة (٣)، وإلَّا فلا، فانقطَعَ (٤).
* * *
(١٤) - {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وقولُه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}: قرأ حمزةُ والكسائيُّ وابنُ عامرٍ: {لِنَجْزِيَ} بالنون، وقرأ الباقون بالياء (٥)؛ أي: لِيَجْزِيَ اللَّهُ.
(١) في (ف): "أي كل ذلك من عنده"، وفي (ر): "أي: كل ذلك منه؛ أي: من عنده".
(٢) إمام، محدث، صدوق، مولى لفاتح خراسان عبد اللَّه بن عامر بن كريز، ولد في سنة ثلاثين ومئة، وروى عن أبيه وغيره، وحدث عنه ابن راهويه وغيره، كان حسن الحديث، كبير القدر. انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" للمزي (١٠/ ٢١١)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٠/ ٢١٢).
(٣) "بهذه الكلمة" زيادة من (أ).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ٤١٩).
(٥) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٩٥)، و"التيسير" للداني (ص: ١٩٨).