إلا حياتُنا القُرْبى؛ أي: هذه التي نحن عليها {نَمُوتُ وَنَحْيَا}؛ أي: يموتُ بعضُنا ويحيَى بعضُنا، ثم يموتُ أولئك ويحيى آخرون على ما هو موجود في المُشاهدة، لا يتغيَّرُ الأمرُ عن ذلك، ولا تنقضي الدنيا، ولا تَفْنى ولا يحيَى مَن مات.
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}: أي: وما يُهْلِكُ الناسَ إِلَّا طولُ العمُرِ وكَرُّ الدَّهْرِ، فذلك هو الذي يُفْنِينا، دون مَن تَذْكُرونه مِن اللَّه الذي يُحيي ويُميت.
وهذا جُحودٌ للصانع، وأهلُ الجاهليَّةِ كانوا أصنافًا: منهم هؤلاء، ومنهم مَن يُثْبِتُ الصَّانِعَ ويُنْكِرُ البعثَ والثَّوابَ والعقابَ، ومنهم مَن يشُكُّ في البعث ولا يقولُ بالإنكار قَطْعًا.
وقيل: {نَمُوتُ وَنَحيَا}؛ أي: نموتُ بأنفُسِنا، ونحيى بأخلافنا (١) وآثارنا، فتأخيرُ ذِكْرِ الحياة عن ذِكْر الممات لهذا: أنه الحياةُ معنًى بعد الموت حقيقةً ببقاء (٢) الذِّكْر، يقولون: لا حياةَ بعد الموتِ إلا هذا.
وقيل: أرادوا نحيى ونموتُ إذا انتهَتْ أعمارُنا، والواوُ للجَمْعِ لا للتَّرْتيب.
وقيل: القائلون بهذا كانوا قائِلين بالتَّناسُخِ، وأرادوا: يموت الرجل منَّا، فتُجْعَلُ روحُه في مَواتٍ فيحيَى.
وقولُه تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}: أي: هو قولٌ يقولونه بأهوائهم ظنًّا لا عِلْمًا.
* * *
(٢٥ - ٢٦) - {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
(١) في (ر) و (ف): "بأخلاقنا".
(٢) في (ر) و (ف): "لبقاء".