وقولُه تعالى: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}: أي: فكيف ومن أين لهم أنْ يتذكَّروا إذا جاءتهم الساعةُ؟! قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} الفجر: ٢٣.
* * *
(١٩) - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}.
وقولُه تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}: أي: فاثبُتْ على هذا.
وقال الكِنانيُّ (١): كان يضيقُ صدرُه بأذى الكفار، فقال له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، لا تُعَلِّقْ قلبَكَ بأقاربكَ، واعلمْ أنه لا كاشِفَ لِما في قلبكَ سوى اللَّه (٢).
ويُقال: قيل له: {فَاعْلَمْ}، ولم يقل له: (عَلِمْتُ)، وإبراهيم قيل له: {أَسْلِمْ}، {قَالَ أَسْلَمْتُ}، وجوابُه مِن وجوه:
منها: أنَّ إبراهيم قال: {أَسْلَمْتُ}، فابتُلِيَ، ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل: (عَلِمْتُ)، فعُوفِيَ.
وقيل: إنَّ إبراهيم سبَقَ، فذُكِرَ جوابُه في الكتاب المُنَزَّل بعده، ولم يَنْزِلْ بعد القرآن كتابٌ آخرُ يذكُرُ فيه جوابَ محمد.
(١) في النسخ الثلاث: "الكتاني"، وهو تصحيف، والمثبت موافق للمصادر الآتية.
وهو عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني المكي، صاحب كتاب "الحيدة"، تفقه للشافعي واشتهر بصحبته، وخرج معه إلى اليمن، قدم بغداد وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة مشهورة في القرآن. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" للخطيب (١٢/ ٢١٢)، و"تهذيب الكمال" للمزي (١٨/ ٢٢١).
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٤).