(١) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وقولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: قرأ الضَّحَّاكُ ويعقوبُ الحَضْرَمِيُّ -رحِمَهما اللَّهُ- بفتح التاء والقاف والدال مِن التَّقَدُّم، وقرأ العامَّةُ بضم التاء وفتح القاف وكسر الدال مِن التَّقْدِيم (١).
قال الفراء رحِمَه اللَّهُ: هما واحدٌ؛ كقولك: علَّقْتُ الشَّيءَ وتَعَلَّقْتُه (٢).
وعلى ظاهر اللُّغة معنى قراءةِ العامَّة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} قولًا ولا فعلًا على قولِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفعلِه فيما سبيلُه أنْ يُؤخَذَ عنه مِن أَمْرِ الدِّين، بل انتظروا حُكْمَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه، فإنَّ حُكْمَه حُكْمُ اللَّهِ تعالى؛ لأنَّه (٣) لا يَقْضي إلا بأمر اللَّه تعالى، وهو معنى ذِكْرِ اللَّهِ قَبْلَ ذِكْرِ رسولِه عليه الصلاة والسلام، وهو قولُه: {بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}؛ إذ التَّقَدُّمُ على رسوله تَقَدُّم عليه تعالى؛ كما قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، وهذا التأويل يأتي على أكثر أقاويل المفسِّرين فيه.
ومعنى قراءةِ الضَّحَّاكِ ويعقوبَ: لا تقولوا قَبْلَه ولا تفعلوا قَبْلَه شيئًا، بل كونوا تابِعين له قولًا وفعلًا.
و {بَيْنَ يَدَيِ}: مجازٌ واستعارةٌ عن مُطْلَقِ التَّقَدُّمِ؛ كما في قوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.
وقيل: التَّقَدُّمُ بين يَدَيِ اللَّه مُخالفَةُ كتابِه، والتَّقَدُّمُ على رسوله مُخالَفَةُ سُنَّتِه.
(١) انظر: "المحتسب" لابن جني (٢/ ٢٧٨)، و"تفسير الثعلبي" (٩/ ٦٩). وقراءة يعقوب من العشرة. انظر: "النشر" (٢/ ٣٧٥).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٣/ ٦٩)، ولفظه: ولو قرأ قارئ: (لا تَقَدَّموا) لكان صوابًا، يقال: قدَّمت في كذا وكذا وتقدَّمت.
(٣) "لأنه" ليس من (أ) و (ف).