ذكَرْتَ أخاك بما فيه فقد اغتَبْتَه، فإنْ لم يكن فيه فقد بهتَّه" (١).
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}: أي: فإنكم لا تُحِبُّون ذلك، وإذ كنتم لا تُحِبُّونه فالغِيبةُ له وهو حيٌّ مِثْلُ أكلِ لحمِه وهو ميِّتٌ، فلا تُحِبُّوه أيضًا.
ولعلَّ معناه: أنَّ الميِّتَ لا يشعُرُ بما يُؤكَلُ مِن لحمِه، وليس (٢) به انتصارٌ فيدفعَ عن نفْسِه، فأكلُ لحمِه لُؤْمٌ، فكذلك الغائبُ لا يشعُرُ بما يُغْتابُ به، وليس به حينئذٍ انتصارٌ، فذِكْرُه بالسُّوء لُؤْمٌ، والميِّتُ أيضًا لا يَنالُ آكلَ لحمِه بسُوءٍ، فلم يحسُنْ أنْ يُنالَ منه، فكذلك الغائبُ لا يَنالُ مَن يغتابُه في حين اغتيابه بسُوءٍ، فلم يَحسُنْ أنْ ينالَ منه.
{فَكَرِهْتُمُوهُ}: أي: فقد كَرِهْتم في طِباعكم وعُقولِكم أكْلَ لحمِ أخيكم ميِّتًا، فاكرَهوا اغتيابَه، فإنه مِثْلُ أكلِ لحمِه.
وقيل: أي: فكَرِهْتُم أنْ تُغتابوا، فلا تَغتابوا غيرَكم.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: عطفٌ على {اجْتَنِبُوا}، {وَلَا تَجَسَّسُوا}، {وَلَا يَغْتَبْ}.
{إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}: يقبَلُ توبةَ مَن تابَ، ويرحمُ مَن أنابَ إليه.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: نزلت في رجلين مِن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظنَّا برَفيقٍ لهما، وذلك أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضمَّ إليهما سلمانَ يخدِمُهما ويخِفُّ لهما في حوائجهما، ويتقدَّمُ إلى المنزل فيُهَيِّئُ لهما ما يُصْلِحُهما (٣) مِن الطعام والشراب،
(١) رواه مسلم (٢٥٨٩)، وأبو داود (٤٨٧٤)، والترمذي (١٩٣٤)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) في (أ): "ولا".
(٣) في (أ): "يصلح لهما".