يقولُ: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} فإنْ ظننتُم فقد أسأتُم، فلا تجسَّسوا فتزدادوا إثمًا، فإنْ تجسَّسْتم فقد أسأتُم، فلا تغتابوا فتزدادوا إثمًا.
وروى زيدُ بنُ أَسْلَمَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي اللَّه عنه خرجَ ذاتَ ليلةٍ ومعه عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ رضي اللَّه عنهما يعُسَّان، إذ شَبَّ لهما نارٌ، فأتَيا البابَ فاستَأْذَنا، ففُتِحَ البابُ لهما ودخلا، فإذا رجلٌ وامرأةٌ تُغَنِّي، وعلى يد الرجل قَدَحٌ، فقال عمر رضي اللَّه عنه: وأنتَ بهذا يا فلان؟ فقال: وأنتَ بهذا يا أميرَ المؤمنين؟ فقال له عمر رضي اللَّه عنه: فمَن هذه منكَ؟ قال: امرأتي، قال: وما في القَدَح؟ قال: ماءٌ زُلالٌ، فقال للمرأة: وماذا تُغَنِّين؟ قالت: أقول:
تطاولَ هذا الليلُ واسودَّ جانِبُه... وأرَّقَني ألَّا حبيبٌ أُلاعِبُهْ
فواللَّهِ لولا خشيةُ اللَّهِ والتُّقى... لَزُعْزِعَ مِن هذا السَّريرِ جوانِبُهْ
ولكنَّ عَقْلِيَ والحياءَ يَكُفُّني... وأُكْرِمُ بَعْلِي أنْ تُنالَ مراكبُهْ
ثم قال الرجلُ: يا أميرَ المؤمنين، ما بهذا أُمِرْنا، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا}، فقال عمر رضي اللَّه عنه: صَدَقْتَ، وانصرفَ (١).
وقيل لعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه: هل لكَ في الوليد بن عُقْبَةَ تقطُرُ لِحْيَتُه خَمْرًا؟ فقال عبد اللَّه: إنا قد نُهِينا عن التَّجَسُّس إلَّا أنْ يظهَرَ لنا (٢).
(١) ذكره بهذا السياق الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٨٣).
(٢) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٨٩٤٥)، وابن أبي شيبة (٢٦٥٦٨)، وأبو داود (٤٨٩٠)، والطبراني في "الكبير" (٩٧٤١)، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٨٤).
قال النووي في "رياض الصالحين" (ص: ٤٤٦): رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.