يقول: كثيرًا ما أهلَكْنا قَبْلَ هؤلاء المشركين مِن أُمَّةٍ مِن الأُمَم السَّالِفة {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا}: أي: تَجَبُّرًا وسَطْوَةً على الناس؛ كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ وقومِ لُوطٍ.
{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ}: قال مجاهد: ضرَبوا في البلاد (١).
وقيل: طافُوا فيها وساروا في أقاصيها لِلتِّجارات وغيرِها، وقال امرؤُ القيسِ:
لقد نقَّبْتُ في الآفاق حتى... رَضِيتُ مِن الغَنِيمة بالإيابِ (٢)
{هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}: قال الفراء: أي: هل كان لهم مَحيصٌ (٣)؛ أي: مَهْرَبٌ عن الهلاك؛ أي: لم يكنْ.
وقيل: {فَنَقَّبُوا}: أي: طافَ هؤلاء المشركون {فِي الْبِلَادِ}؛ أي: بلادِ أولئكَ (٤)، وشاهَدوا آثارَ أولئكَ، {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}: هل لهؤلاءِ مِن مَحيصٍ عمَّا حَلَّ بأولئكَ.
* * *
(٣٧) - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى}: أي: فيما ذُكِرَ في هذه السُّورة مِن البَعْثِ وأحوالِ يومِ (٥) القيامة وإِهْلاكِ القُرونِ لِعِظَة.
(١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٤٦٠)، وروى عقبه عن مجاهد أيضًا قوله: عملوا في البلاد، ذاك النقبُ.
وعلقه البخاري (٦/ ١٣٨)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٠٥).
(٢) انظر: "ديوان امرئ القيس" (ص: ٩٥)، وفيه: "وقد طوفت" بدل من "لقد نقبت".
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٣/ ٧٩).
(٤) في (ر): "في كل البلاد" بدل: "بلاد أولئك".
(٥) في (ف): "وأهوال" بدل: "وأحوال يوم".