وقال الحُسينُ بنُ الفَضل: أي: إلَّا لِأَسْتَعْبِدَهم؛ أي: أُكَلِّفَهم العبادةَ (١)، وقد كلَّفَهم.
وقريبٌ منه قولُ بعضِهم: إلَّا لِأُلْزِمَهم عبادتي.
وقال الضَّحَّاكُ: هذا أمرٌ خاصٌّ لأهل طاعتِه (٢).
ودليلُ الخُصوصِ: أنه قال قبلَه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ}؛ أي: مِن المؤمنين (٣)، {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فأمَّا الكفارُ فقد قال في حَقِّهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}.
والحاصِلُ: أنَّ اللَّهَ خلَقَ كلَّ شيءٍ لِمَا عَلِمَ أنه يكون منه؛ إذ لو قيلَ غيرُ ذلك لأدَّى ذلك إلى إثبات العَجْزِ أو الجهل للَّه تعالى، ويتعالى اللَّه عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وقال الإمامُ القُشَيريُّ: الذين اصْطَفيْتُهم في آزالي، وخصَصْتُهم اليومَ بحُسْنِ إقبالي، ووعدتُ لهم جزيلَ إِفْضَالي، ما خلقتُهم إلَّا ليعبدون، والذين سخِطتُ عليهم في آزالي، ورَبَطتُهم اليومَ بالخُذْلان فيما كلَّفْتُهم مِن أعمالي، وخلَقْتُ النارَ لهم بحُكْم إلهيَّتي وجلالي، ما خلقْتُهم إلا لِعَذابي وأنْكالي، ولِمَا (٤) أعددتُ لهم مِن سَلاسِلي وأَغْلالي.
* * *
(١) ذكره الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٩٦) من غير نسبة.
(٢) في (ف): "عبادته".
ذكره عن الضحاك الثعلبيُّ في "تفسيره" (٩/ ١٢٠) والواحدي في "الوسيط" (٤/ ١٨١)، والسمعاني في "تفسيره" (٥/ ٢٦٤)، وزاد الثعلبي: عن سفيان، والواحدي: عن الكلبي.
(٣) كذا قراءة أبي بن كعب رضي اللَّه عنه فيما رواه عنه ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
انظر: "الوسيط" للواحدي (٤/ ١٨١)، و"تفسير الثعلبي" (٩/ ١٢٠)، و"تفسير البغوي" (٧/ ٣٨٠).
(٤) في (أ): "مما".