(١٣ - ١٥) - {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}.
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}: أي: رأى جبريلَ أيضًا مَرَّةً أخرى ليلةَ المعراجِ.
{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}: في السماوات.
{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}: أي رآه على صُورته مَرَّةً في الدنيا، ومَرَّةً عند سِدْرَة المُنْتهى، على هذا بعضُ المُفَسِّرين.
وقال الحسنُ البَصْريُّ وجماعةٌ: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}: أي: علَّمَه اللَّهُ (١)، وهو وصفٌ مِن اللَّه تعالى نفْسَه بكمال القُوَّةِ والقُدْرة، وهو كقوله: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} غافر: ٢٢، وقولِه: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} الشورى: ١٩.
{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}: أي: ذو إحكامٍ للأمور والقضايا، قال اللَّه تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} الزخرف: ٧٩، وبَيَّنَ المكانَ الذي فيه عَلَّمَه بلا واسطةٍ فقال: {فَاسْتَوَى}: أي: محمدٌ، {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}: أي: فوقَ السماوات، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}: هو بيانُ قُرْبِ الكرامةِ لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن ربِّه.
والإسراءُ برسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم- في اليقظة بجِسْمه ليلًا مِن المسجد الحرام إلى بيت المَقْدِس، ثم منه إلى السماء، ثم منه إلى سِدْرَةِ المنتهى، ثم منه إلى ما شاء اللَّه تعالى = حَقٌّ صِدْقٌ، ذكَرَه اللَّهُ تعالى في أوَّلِ سورة بني إسرائيل، وفي هذه السورة، وقد وردَتْ أحاديثُ كثيرةٌ أشَرْنا إلى بعضِها في أوَّلِ سورة بني إسرائيل، وقد أورَدْناها في كتابٍ جَمَعْناه في ذلك (٢)، وقد قال به أهلُ السُّنَّةِ والجماعة، وأنكَرَه أهلُ الضَّلالةِ والبِدْعَةِ.
(١) ذكره السمعاني في "تفسيره" (٥/ ٢٨٥)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ١٩٧) عن الحسن البصري.
(٢) لعله: "كتاب ما ورد من الأخبار في ذكر معراج النبي المختار وفوائده ولطائفه"، ذكره المؤلف في أول الإسراء.