وقال قتادة: استأذنوا للقاءِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأذِنَ لهم، وقيل لهم: لا تأتُوه بغير نِثَارٍ، فجاء كلُّ واحدٍ منهم بطَبَقٍ مِن أطباقِ الجنة عليه مِن اللَّطائفِ ما لا يُحصَى، فنَثَروه بين يديه تَقَرُّبًا إليه.
وقال مُقاتلٌ: فلو أنَّ رجلًا ركِبَ حِقَّةً، وطافَ على ساقِها حتى أدرَكَه الهرَمُ، ما وصَلَ إلى المكان الذي رَكِبَ منه (١). تَحْمِلُ لأهل الجنة الحُلِيَّ والحُلَلَ وجميعَ ألوانِ الثِّمار.
ويُقالُ: هي عن يمينِ العرشِ تخرُجُ أنهارُ الجنة مِن أَصْلِها.
* * *
(١٧) - {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}.
وقولُه تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}: أي: ما مالَ (٢) بصَرُ محمد عما رأى، وما جاوزَه إلى غيره، يعني: ما عدَلَ عن رؤيتِه قبلَ إحاطةِ عِلْمِه به، وما تعدَّى عن رؤيتِه إلى غيره رَغْبَةً عنه وفي حقِّ النَّظَرِ، فتيَقَّنَ بما أبصرَ؛ كما قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}.
وقيل: ما زاغَ بصرُه حين عُرضَتْ عليه الدنيا رَغْبَةً فيها، وما طغى حين عرضَتْ عليه الآخرةُ تَعَلُّقًا بها، بل ترَكَ ذلك كلَّه مُكْتَفِيًا بالمولى.
وقيل: {مَا زَاغَ}: أي: ما مالَ يمينًا ولا شمالًا، ولا طغى ولا تقدَّمَ؛ أي: وقَفَ حيث وُقِّفَ، وتصَرَّفَ على ما صُرِّفَ.
* * *
(١٨) - {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٤/ ١٦٠)، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٤٣).
(٢) في (أ): "زاغ".