وقولُه تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}: فلِسَعَةِ مغفِرَتِه يغفِرُ ما تِيبَ عنه، ويغفِرُ اللَّمَمَ، ويغفِرُ ما سلَفَ في الجاهلية، ويغفِرُ ما شاءَ مِن الذُّنوب مِن غير توبةٍ.
وقال عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: اللَّمَمُ: الذي تُحَدِّثُ به نفْسَكَ مِن الشَّرِّ أنْ تفعلَه، ثم يصرِفُكَ اللَّهُ عنه، فلا تفعلُه (١).
وقولُه تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ}: أي: بضَعْفِكم وغلَبَةِ الهوى عليكم.
{إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}: أي: أنشَأَ أباكم مِن الأرض آدمَ، عَلِمَ حينئذٍ أحوالَكم مِن الضَّعْفِ، واستيلاءِ الشَّهْوةِ عليكم.
{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ}: جَمْعُ جَنينٍ، وهو الولدُ المُجْتَنُّ في البُطون في أرحام الأُمَّهاتِ، وهو قولُه تعالى:
{فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}: فلا تَرْفَعوها فوق قَدْرِها وحالُكم هذه في استيلاءِ الهوى عليكم، حتى لا يَخْلُوْ أحدُكم عن اللَّمَمِ.
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}: منكم مِمَّن لم يَتَّقِ، فلا حاجةَ بكم إلى تَزْكِيَةِ أنفسكم؛ لأنكم تَعْمَلون له، وعِلْمُه كافٍ لكم.
وقيل: تمَّ الكلامُ عند قوله: {وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}، وما بعده مُبْتَدَأٌ: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ}: بسرائرِكم وظواهرِكم وأوائلِكم وأواخرِكم، وأنتم تَنْسَون وتخفى عليكم الحقائقُ، واللَّهُ لا ينسى ولا يخفى عليه شيء {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}: بما ليس فيها، أو بما تفعلونه بما لا تَقِفون على حقيقته عند اللَّه تعالى، فهو أعلمُ بمَنِ اتَّقى، فاكتفُوا بعِلْمِه عن عِلْمِ الناس، وبجزائِه عن ثَناء الناس.
نزلَتْ في ناسٍ كانوا يعملون أعمالًا حسنةً ثم يذكُرونها.
(١) ذكره عنه السمعاني في "تفسيره" (٥/ ٢٩٨).