وقال مُجاهدٌ: كان الوليدُ بنُ المُغيرة يأتي النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكرٍ فيَسْمَعُ ما يقولان، فذلك ما أعطى مِن نفْسِه؛ أي: أعطى الاستماعَ، {وَأَكْدَى}: انقطَعَ عطاؤُه ذلك (١) وترَكَه.
* * *
(٣٥) - {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}.
{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ}: أي: أَعِنْدَ هذا المُعْطي المُكْدِي عِلْمَ الغيبِ {فَهُوَ يَرَى}: أي: يَعْلَمُ عِلْمَ الآخرةِ وما غابَ عنه مِن أمرِه، فيَعْلَمُ أنَّ مَن ضَمِنَ له يَحْمِلُ أوزارَه عنه.
وهذا العِلْمُ يكون على أحد وجهين:
أحدُهما: أنه يَفِي له به، فيُخَلِّصَه عنه (٢).
والثاني: أنْ يجعَلَ نفْسَه فِداءً عنه.
فليس عنده عِلْمٌ بواحد مِن هذين، فما اعتمادُه عليه إلا غايةُ جَهْلٍ منه.
وقال ابن عباس: كان رجلٌ مِن قريشٍ له أموالٌ يتصدَّقُ بها، فقال له عبدُ اللَّهِ بنُ سعدِ بنِ أبي سَرْحٍ: ما هذا الذي تصنَعُ؟ يوشِكُ ألا يبقى لكَ شيءٌ، فقال له الرجلُ: إنَّ لي ذُنوبًا وخطايا، وإني أطلُبُ بما أصنَعُ رضى اللَّهِ تعالى، فقال له عبدُ اللَّهِ: أَعْطِني ناقتَكَ هذه بزِمامِها، وأنا أتحمَّلُ عنكَ ذُنوبَكَ وخطاياكَ، ففعَلَ، ثم أقْصَرَ عن النَّفَقَةِ والصَّدَقة، فنزلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} (٣): يعني: عن الحقِّ والصَّدَقةِ.
(١) رواه عنه مختصرًا الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٧٣)، وعزاه السيوطي بتمامه في "الدر المنثور" (٧/ ٦٥٩) إلى الفريابي وعبد بن حميد والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) في (ر): "فيتحمله".
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٥٠)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٣٩٨) عن ابن عباس، والسدي، والكلبي، والمسيب بن شريك من غير إسناد، والمتصدق في هذا الخبر هو عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه. ولا يصح مثل هذا، فإن مقام الصحابة ينزه عن مثل هذا السخف، فكيف =