أمَّا الأول: فقد قيل: ناداهما وهو في الأرض.
وقيل: ناداهما وهو على باب الجنَّة لا فيها -فإنَّه لم يكن مِن أهل دخول الجنَّة؛ لأنَّها محرمةٌ على الكفَّار، واللَّهُ تعالى أوصل صوتَه إليهما- وقال لهما: ماذا أَمركما ربُّكما، إلى أنْ قال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} الأعراف: ٢٠.
وقال هؤلاء: وقول إبليس: {هَذِهِ الشَّجَرَةِ} -وهي إشارةٌ إلى بعض الشجرة- لا يدلُّ على أنَّه كان في الجنَّة بحضرة الشجرة، بل هي إشارةٌ إلى الشجرة التي ذكَرا؛ أي: عن هذه الشجرة التي قُلْتُما.
وقال جماعةٌ: دخل في رأس الحيَّة، والحيَّة دخلت الجنَّة كما روينا، ولا يكون هذا دخولًا منه الجنَّة، كما كان الكفار مِن ذرِّيّة آدمَ في صُلْب آدم وهو في الجنَّة، ولم يكن ذلك دخولَ الكفار الجنَّة، واحتجَّ هؤلاء أنَّه خاطَبَهما وقاسَمَهما وراجعهما الكلامَ، وذاك لا يكون إلَّا بالحضرة.
وسُئل أبو الحسن الرُّسْتُغْفَنيُّ (١) عنه فقال: لا نَشهد (٢) بدخوله فيها؛ لعدم الدليل القطعي، فإنْ ثبت لم يَبعُد؛ إذ دخولُه كان يزيد له في التلهُّف والحسرة.
وقال الحسن البصريُّ رحمه اللَّه: أَوصَلَ إليهما الوسوسةَ مِن الوجه الذي جُعل له (٣).
(١) في (أ): "الرُّستعفني"، وفي هامش (ف): بضم التاء. وهو: علي بن سعيد، فقيه حنفي من أهل سمرقند، له كتاب "الزوائد والفوائد"، و"إرشاد المهتدي". انظر: "الجواهر المضية" (١/ ٣٦٢)، و"الأعلام" (٤/ ٢٩١).
(٢) في (ر): "أشهد".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (١/ ٤٣٥).