وحُقِّقَ ذلك يومَ بدرٍ، ودلَّتِ الآيةُ على صدقِ نُبُوَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث أَخْبَرَ فكان كما أخبَرَ، فدلَّ أنه قال ذلك بوَحْيِ اللَّهِ تعالى، وهذا كلُّه توبيخٌ، يقولُ لهم: لم تُقاوِموا عبادَ اللَّهِ، فكيف تُقاوِمون عذابَ اللَّهِ؟!
{أَكُفَّارُكُمْ} قيل: معناه: أفأنتم.
وقيل: {أَكُفَّارُكُمْ} أيَّتُها الأُمَّةُ.
وقيل: {أَكُفَّارُكُمْ} خطابٌ لقومٍ أسْلَمَ بعضُهم، وهذا خِطابٌ، ثم قال: {أَمْ يَقُولُونَ}: على المُغايَبَة، وهو مِن تلوينِ الكلام وأقسامِ البلاغة.
* * *
(٤٦) - {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}: أي: القيامةُ، فلا نَقْتَصِرُ بعذاب الدنيا، بل نُدِيمُ عليهم العقابَ في العُقْبى.
{وَالسَّاعَةُ أَدْهَى}: أي: أعظَمُ وأنكَرُ.
{وَأَمَرُّ}: قيل: أشَدُّ.
وقيل: أمَرُّ مَذاقًا.
وقيل: نزل قولُه: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} في أبي جهلٍ، وذلك أنه كان عنده فرَسٌ كُمَيْتٌ (١) يَعْلِفُها كلَّ يومٍ فَرَقًا من ذرةٍ، ويَحْلِفُ باللَّاتِ والعُزَّى لَيَقْتُلَنَّ عليه محمدًا، فلما كان يومُ بدرٍ رَكِبَه وجعلَ يُطارِدُ ويقول: نحن اليومَ جميعٌ مُنْتَصِرٌ ممَّن عادانا، فقتَلَه عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ يومَ بدرٍ، وأخبَرَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وقال: رأيتُ النَّارَ تَلْتَهِبُ مِن جسَدِه، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذلك ضَرْبُ الملائكةِ يا عبدَ اللَّه، فإذا كان
(١) الكميت: مشتق من الكمتة، وهو لون بين السواد والحمرة يكون في الخيل والإبل ونحوها. انظر: "المحكم" (٦/ ٧٨١).