وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}: وهو في الحثِّ على الجهادِ بالنَّفس والمالِ كما تقدَّمَ، فإنَّ التَّقاعدَ عنه لا يكون إلَّا لحبِّ الحياة الدُّنيا.
وقيل: هي في خطابِ المشركين المكذِّبين رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ميلًا منهم إلى بقاء الرِّئاسة لهم على أتباعهم، وتعزُّزًا بهم، وتكثُّرًا بأموالِهم، وتفاخُرًا بأحوالهم، فبيَّنَ أنَّ ذلك كلَّه لعبٌ ولهوٌ لا حقيقةَ له.
وقيل: {لَعِبٌ} كلعبِ الصِّبيان، {وَلَهْوٌ} كلهو الفتيان، {وَزِينَةٌ} كزينة النِّسوان، {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} كتفاخر الأقران، {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} كتكاثر الدِّهْقان.
وقيل: هذه أحوالٌ مترادفةٌ للإنسان إلى أربعين سنة، كلُّ صفةٍ لثمانِ سنين، {لَعِبٌ} ثمان سنين، {وَلَهْوٌ} ثمان سنين، {وَزِينَةٌ} ثمان سنين، {وَتَفَاخُرٌ} ثمان سنين، {وَتَكَاثُرٌ} ثمان سنين.
فإنْ تأمَّلَ وتنبَّه وصلح عند كمال عقلِه وتزوَّد لمعاده، وإلَّا فقد خسر خسرانًا مبينًا، وضلَّ ضلالًا بعيدًا.
وقوله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ}: أي: مطر {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ}؛ أي: راقَ الزُّرَّاع، جمع كافر، وهو الزَّارع، سُمِّيَ به لأنَّه يَكْفُرُ البذرَ في الأرض؛ أي: يَسترُه.
وقيل: خصَّ الكفَّارَ لأنَّهم ينكرون الآخرةَ، فلا يعرفون إلَّا العاجلة، فهم بها أعلقُ، وهي لهم أَرْوَقُ.