وقوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}: أي: فعلْتُ ذلك وأخبرْتُكم به لكي لا تحزنوا على ما فاتكم.
{وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}: ولأنْ لا تُسَرُّوا على ما أعطاكم، ولا يحملَكُم الحزنُ على الفائتِ على الشَّكوى مِن اللَّه تعالى، ولا الفرحُ بالنِّعمة على الاستكثارِ منها فتقعوا في الطُّغيان.
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}: الذي يتعظَّم على الفقراء ويفخر بالنَّعماء.
* * *
(٢٤) - {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}: جمعَ بعدَ التَّوحيد؛ لأنَّ ذاك عامٌّ معنًى بدخول {كُلَّ} عليه.
{وَمَنْ يَتَوَلَّ}: أي: عن الجهادِ والإنفاقِ في سبيل اللَّه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عنه وعن كلِّ خلقِه {الْحَمِيدُ}: المُستَحِقُّ للحمد؛ أي: ليس أمرُه بالجهاد والإنفاقِ لحاجةٍ، بل للابتلاءِ، ولإكرامِ العبدِ بحسنِ الجزاء.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ رضي اللَّه عنه: كتبَ اللَّهُ قبلَ أنْ يخلقَ الخلقَ والأرضَ ما يصيبُ النَّاسَ فيها مِن خيرٍ وشرٍّ؛ امتحانًا منه لهم، ليعلموا بتغيُّرِ الأحوالِ وتعاقُبِ المحنة والمنحة أنَّها غيُر دائمةٍ، فلا تحزنوا على ما فاتَكُم مِن حظٍّ، ولا تفرحوا بما آتاكم مِن فائدةٍ، فمَن لم يعلمْ أنَّ كلَّ شيء يُعطاه يُرْتَجعُ، وأنَّ كلَّ حزنٍ يصيبُه زائلٌ، فذلك مختالٌ فخورٌ، واللَّهُ لا يحبُّ المختالَ الفخور (١).
وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أنَّه قال: لأَنْ ألحسَ جمرةً أحرقَتْ ما أحرقَتْ
(١) روى نحوه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٤٥).