عيسى -يعنون: محمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فتفرَّقوا في الجبال، وأحدثوا بها رهبانيَّةً، فمنهم مَنْ تمسَّكَ بدينِه، ومنهم مَنْ كفرَ"، ثمَّ تلا هذه الآيات {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}، وقال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا ابنَ أمِّ عبدٍ، هل تدري ما رهبانيَّةُ أمَّتي؟ "، قلْتُ: اللَّهُ ورسولُه أعلم، قال: "الهجرةُ والجهادُ والصَّلاةُ والصَّومُ والحجُّ والعمرةُ والتَّكبيرُ على التِّلاع" (١).
* * *
(٢٨) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ}: أي: يا أيَّها الَّذين آمنوا بموسى وعيسى {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} محمَّدٍ، وهذا عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما (٢).
{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}: قال ابنُ عبَّاس: أي: أجرَيْنِ بإيمانِكُم بمحمَّدٍ وبِمَن تقدَّمَ مِن الرُّسلِ (٣)، والكِفْلُ: الحَظُّ.
{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}: أي: يومَ القيامةِ يسعى بينَ أيديهِم إلى الجنَّةِ.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ}: ذنوبَكُم السَّالفةَ قبلَ الإيمانِ بمحمَّدٍ {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقيل: يجعل لكم نورًا في الدُّنيا باتِّباع القرآنِ تمشونَ به في النَّاس، تدعونهم إلى الإسلامِ، وتكونون رؤساءَ أئمَّةً في الإسلام، ولا تفوتُكُم (٤) تلك الرِّئاسة الَّتي كنْتُم تخافون فوتها.
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٤٧ - ٢٤٨) بلا إسناد.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٤٣٤).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٤٣٥).
(٤) في (أ): "يغرنكم".