وقال ابن جريج: حُدِّثْتُ أنَّ أبا قُحافةَ سَبَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصكَّهُ أبو بكر رضي اللَّه عنه صَكَّةً سقطَ منها، ثمَّ ذكرَ ذلك للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أوفعلتَه؟ "، قال: نعم، قال: "فلا تعدْ إليه"، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: "واللَّهِ لو كان السَّيفُ قريبًا منِّي لقتلتُه"، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (١).
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}: أي: أثبتَه فرسخَ فيها حتَّى استبصروا فيه، فهجروا له الأوطان، ونابذوا العشائر والخلان.
{وَأَيَّدَهُمْ}؛ أي: قوَّاهم {بِرُوحٍ مِنْهُ}؛ أي: بكتابٍ أنزلَه فيه حياةٌ لهم.
وقيل: أي: ببرهانٍ منه ونورٍ وهدًى.
وقيل: أي: نصرهم جبريلُ على كثيرٍ ممَّن حاربَهم.
{وَيُدْخِلُهُمْ}: أي: في الآخرة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}؛ أي: رضي عنهم بقَبول أعمالهم {وَرَضُوا عَنْهُ}؛ أي: بما أعطاهم من الثَّواب على أعمالهم.
{أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ}: المتحزِّبون لنصر دينِه، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه.
{أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: الفائزون بكلِّ محبوبٍ، الآمنون من كلِّ مرهوب.
والحمدُ للَّه ربِّ العالمين
(١) رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" (٨/ ٨٦)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٦٤)، والماوردي في "تفسيره" (٥/ ٤٩٧)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٤١٤). قال الواحدي في "البسيط" (٢١/ ٢٥٧): الأكثرون على أن هذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم لما أراد فتح مكة، وتلك القصة معروفة، وهذا قول مقاتل واختيار الفراء والزجاج.