وُكِلَت نفسُه إليه، فيكون ذلك سببًا لزَجْر الخلق عن النظر إلى أنفسِهم، وداعيًا (١) إلى التضرُّع إلى اللَّه تعالى ليَعصمهم عن كلِّ شرٍّ.
وقال يوسفُ صلوات اللَّه عليه: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} يوسف: ٥٣ (٢).
* * *
(٣٨) - {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا}: إنَّما كرَّر الأمر بالهبوط؛ لأنَّه يتَّصل بكلِّ واحدٍ منهما معنًى آخَرُ:
فالأول معناه: اهبطوا على عداوةِ بعضكم لبعضٍ، وعلى سُكناكم في الأرض إلى حينٍ.
ثم ذكر أمْرَهم بالهبوط ثانيًا للابتلاء بالعبادة بقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى}.
وكان يصحُّ لو قُرن المعنيان بذِكر الهبوط مرَّةً، لكن اعتَرض بينهما كلامٌ، وهو تلقِّيه الكلمات ونَيْلُه قَبولَ التوبة، فأَعاد الأوَّل ليتَّصل المعنى الثاني به، وهو الابتلاءُ بالعبادةِ، والثوابُ على الطاعة، والعقاب على المعصية.
وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ}: الفاء للتعقيب، و (إمَّا) كلمتان؛ (إنْ) وهي كلمةُ
(١) في (ر): "داعيًا"، وفي (ف): "ودعيًا".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (١/ ٤٣٣ - ٤٣٤).