قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}: هذا متَّصل بقوله: {لَا تَتَّخِذُوا}.
يقول: إن كنتم إنَّما خرجتم من أوطانكم، وهاجرتم إلى حيث أمرتُكم؛ لتجاهدوا أعدائي في سبيلي وإقامة ديني، ولتبتغوا مرضاتي بطاعتي = فلا تفعلوا هذا؛ فإنَّه لا يليق بهذا.
وقد علم اللَّه تعالى أنَّهم خرجوا لذلك، ولكنَّ المعنى: أنَّ هذا يوجِبُ تركَ موالاتهم، فاتركوا ذلك.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}: تخفون ذلك.
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ}: أي: أعلم ما أخفيْتُم، والباء زائدة.
وقيل: أنا أعلم منكم بما أخفيتُم وبما أعلنتم؛ لأنَّكم قد تنسون بعضه، وقد تجهلونه، وأنا لا أنسى ولا أجهل.
{وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ}: أي: اتِّخاذَهم أولياء {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}؛ أي: عدلَ عن وسطِ طريق الحقِّ.
وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعْدَى عدوِّكَ نفسُك التي بين جنبَيْكَ" (١)، وأوحى اللَّه تعالى إلى داود عليه السَّلام: عادِ نفسَكَ، فليسَ لي في المملكة منازِعٌ غيرَها.
(١) رواه الخرائطي في "اعتلال القلوب" (٣٢) من حديث أبي مالك الأشعري رضي اللَّه عنه.
ورواه البيهقي في "الزهد الكبير" (٣٤٣) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص: ٨٧٨): أخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين.