وقوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}: أي: يتفرَّقوا، وهم لم يقولوا: {عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} لأنَّهم كانوا لا يعتقدونه رسولَ اللَّه، وإنَّما قالوا: (على مَن عند محمَّد)، لكنَّ اللَّه تعالى لَمَّا أخبر عنهم ذكرَه باسم كرامته (١)؛ تعظيمًا له، وتنبيهًا لعبادِه على منزلتِه عنده.
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: فلو شاء لأغنى المؤمنين عن المنافقين وسائر الكفَّار، ولكنَّه تعبَّد المؤمنين بالصَّبر على الضِّيق، وكلَّف المنافقين الإنفاق عليهم؛ إرغامًا لهم وتشديدًا عليهم.
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}: وجوهَ الحِكَم الإلهيَّة.
* * *
(٨) - {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ}: قيل: معناه: ويقولون، وحذفُ واوِ العطف جائز كما مرَّ في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} الحشر: ٨.
{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}: وهذا كان من ابن أُبيِّ المنافق في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق، وكان خرج فيها مع النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشرٌ كثير من المنافقين، لم يخرجوا في غزاة قطُّ مثلَها، ليس بهم (٢) رغبةٌ في الجهاد، بل إصابة عرَض الدنيا.
قال الواقديُّ: بينما المسلمون على ماء المريسيع، وقد انقطعَت الحربُ، وهو ماءٌ قليلٌ، إنَّما يخرج في الدلوِ نصفُها، أقبل سِنان بن وبرة الجهني، وهو حليف
(١) في (ر): "باسمه كرامة".
(٢) في (ف): "لهم".