وإن لم يُذكَر في هذه الآية، والباءُ في الصبر والصلاة بمعنى (على)؛ كما في قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} الأعراف: ١٧١؛ أي: عليهم.
وقيل: معناه: استعينوا باللَّه على الصبر على زوال الرئاسة والمَأْكلة، وعلى الصلاة إلى الكعبة؛ فإنَّهما كانا يشقَّان على أهل الكتاب.
ودليلُه قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ}: أي: ثقيلةٌ، كما في قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} الشورى: ١٣ وأصله: العَظَمة، والشيءُ قد يَعظُم في نفسِه قَدْرًا، وقد يكون عملًا فيَعظُم على مُباشِرِه (١) فعلًا.
والهاء في {وَإِنَّهَا} راجعةٌ إلى الاستعانة التي تُثبت مقتضى قوله: {وَاسْتَعِينُوا}، والاستعانة بهما -أي: بتحصيلهما- على الأشياء التي ذكرنا إضمارَها أنَّها كانت تشقُّ عليهم.
وقيل: إنَّها راجعةٌ إلى الصلاة، وإذا ذُكر شيئان وذُكرت كنايةٌ بعدهما، فالأصلُ صرفُ الكناية على التثنية إليهما، ويجوز الصرفُ إلى أحدهما اختصارًا، والأَولى الصرُف إلى آخرهما (٢)؛ لأنَّه أقربُ إلى ذلك، قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} النساء: ١١٢، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} التوبة: ٣٤.
فأمَّا في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الجمعة: ١١ فإنَّما صُرفت الكنايةُ إلى الأول وهي التجارة؛ لأنَّ اللهوَ تبعٌ للتجارة، فكان صرفُ الكناية إلى المتبوع أَولى، على أنَّ كلَّ واحدٍ منهما جائزٌ، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما
(١) في (ف): "مباشرته".
(٢) في (ر) و (ف): "أحدهما"، والمثبت من (أ) وهو الصواب.