وهذا كله معنى ما قال ابن عبَّاس وسعيد بن جبير ومجاهد والكلبيُّ وقتادة والحسن رضي اللَّه عنهم.
قال قتادة: كان النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يحرِّك لسانه خوف النِّسيان، فأنزل اللَّه: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛ أي: اتَّبع ما فيه، واتَّبع حلاله، واجتنب حرامه، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}: بيانَ حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته (١).
وقال ابن عبَّاس: نزلت الصَّلوات الخمس قبل خروج النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكَّة إلى المدينة: الظُّهر أربعًا، والعصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، والعشاء أربعًا، والفجر ركعتين، ونزلت عليه الزَّكاة، ثم نزل: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} الأعلى: ٦ (٢).
قال ابن عبَّاس: فلم ينسَ بعد نزول هذه الآية شيئًا حتى مات (٣).
وقيل {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}: هو ما استنبطه العلماء من الأحكام، وأعظمُهم في ذلك آثارًا أبو حنيفة رضي اللَّه عنه.
* * *
(٢٠ - ٢٣) - {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.
{كَلَّا}: أي: ليس الأمر كما تظنُّون أنَّه لا بعث ولا نشور ولا جزاء ولا حساب.
{بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}: أي: الدُّنيا؛ ميلًا إلى دواعي الطِّباع.
{وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}: أي: تَدَعون العمل لها والتَّدبر فيها.
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٣٤١٢)، (٣٤١٣)، والطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٥٠٠)، (٢٣/ ٥٠٣).
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ذكر هذه القطعة القرطبي في "تفسيره" (٢٢/ ٢٢٧) من طريق أبي صالح عن ابن عباس. وذكرها الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ١٨٤) عن مجاهد والكلبي، وعن الكلبي ذكره أيضًا الواحدي في "البسيط" (٢٣/ ٤٤٠)، فلعله مما روي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.