قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}: للَّه تعالى أن يقسِمَ بما شاء من خلقِه؛ تنبيهًا على عِظَم شأن المُقْسَم به.
واختلف في هذه الأشياء:
قال ابن مسعود وابن عبَّاس رضي اللَّه عنهم: هو قسمٌ بالملائكة (١).
ووُصفوا بصفاتٍ شتَّى، فأمَّا {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}: فإنَّها تنزع أرواح بني آدم، فإذا نزعَتْ أرواح الكفَّار، نزعتها بشدَّة.
وهو من قولهم: نزَعَ في القوس فأَغرق (٢)، وتقدير {غَرْقًا}: إغراقًا، وطريقُه طريق قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} البقرة: ٢٤٥، وقد بيَّنَّا وجه ذلك في (سورة البقرة)، على أنَّه حكَى قطرب عن يونس: غرق في سهمه.
وأمَّا النَّاشطات: فالملائكة تقبضُ روحَ المؤمن بسهولةٍ، كما يُنْشَطُ العِقالُ مِن يدِ البعير.
قال الفرَّاء: تقول العرب: نَشَطْتُ العقال؛ أي: شدَدْتُه، وأنشطْتُه: خلعْتُه (٣).
وقال الخليل: نَشَطْتُه وأنشطْتُه لغتان (٤).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٥٧).
(٢) أغرق النازع في القوس: إذا شدها، وجاوز الحد في مد القوس، وبلغ النصلُ كبد القوس. وقولهم: (أغرق في النزع)، مثلٌ في الغلو والإفراظ.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٣/ ٢٣٠)، وذكره عنه الطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٦٠).
(٤) انظر: "العين" للخليل (٦/ ٢٣٧)، وفيه: "وأنشطْتُ البَعيرَ: حللت أنشوطته، وأنشطْتُ العقال، إذا مددْتُ أنشوطته فانحلَّت، وكذلك الانتشاطُ، وهو مدُّك شيئًا إليك حتى ينحلَّ".