وجواب هذا محذوف؛ لأنَّه معلومُ المراد مكشوف.
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ}: أي: زوجته {وَبَنِيهِ}؛ أي: أولاده.
وقيل: يفرُّ حذرًا من مطالبتهم إيَّاه ممَّا بينهم من التَّبعات.
وقيل: لئلا يرَوه وما به من الهوان.
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}: أي: شأنٌ في نفسه يغنيه عن غيره.
وقيل: {يُغْنِيهِ}؛ أي: يصدُّه عنهم. قاله القتبيُّ ونفطويه (١). قال النَّابغة:
تقولُ له الظَّعينَةُ أَغْنِ عنِّي... بعيرَكَ حينَ ليسَ به غَناءُ (٢)
وقال مرة الهمدانيُّ: {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}: هابيل من قابيل، ومحمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أمِّه، وإبراهيم عليه السلام عن أبيه، ولوط عن امرأته، ونوح عن ابنه (٣).
وقالت عائشة رضي اللَّه عنها حين قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُحشَرُ النَّاس (٤) حفاةً عراةً بهمًا غرلًا"، قالت: وكيف النِّساء؟ قال: "وكذلك"، قالت: واسوأتاه. قال: "يا هذه {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} " (٥).
(١) انظر: "غريب القرآن"، لابن قتيبة (ص: ٥١٥).
(٢) نسب البيت للنابغة في "الغريبين" لأبي عبيد الهروي (مادة: غنا)، ونسب للحطيئة. انظر: "ديوان الحطيئة" (ص: ١٥) (ط دار المعرفة).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ١٣٥)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ٣٤١)، عن قتادة.
(٤) في (ف): "يوم يحشر الناس جميعًا يوم القيامة" بدل: "يحشر الناس".
(٥) رواه عن عائشة النسائي (٢٠٨٣). ورواه الترمذي (٣٣٣٢) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه، ولم يسمِّ السائلة. وقال: حسن صحيح.
ورواه البخاري (٦٥٢٧)، ومسلم (٢٨٥٩)، من حديث عائشة رضي اللَّه عنها دون ذكر الآية، وفيه: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض".