وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}: أي: ضَررتُم أنفسَكم بإيجاب العقوبة عليها. وقيل: أي: نقصتموها ثوابَ الإقامة (١) على عهد موسى صلوات اللَّه عليه، فإنَّ الظُّلمَ يكون ضررًا، ويكون نقصانًا على ما مرّ.
قوله تعالى: {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} أي: باتِّخاذه إلهًا وعبادتِه (٢).
وقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}: أي: خالقكم. وقد بَرَأَ بَرءًا، من حدِّ: صَنَعَ؛ بفتح باء المصدر؛ أي: خلق، والبَريَّةُ: الخلقُ، وبَرَأ بُرءًا؛ بضمِّ باء المصدر؛ أي: صحَّ مِن مرضِهِ، وبَرِئ بَراءةً (٣)، من حدِّ: علم؛ أي (٤): وقَعت له البراءةُ من الدَّينِ ونحوِه، وبرِئ عنه بمعنى: تبرَّأ.
وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}: القتلُ: إزهاقُ الرُّوح، والأنفُسُ جمعُ النَّفْسِ، وهي هذه البُنيَةُ الإنسانيَّةُ هاهنا، وهو بيانُ كيفيَّة التَّوبة، وهو قولُ ابن عبَّاسٍ وسعيدِ بنِ جُبير وأبي العالية وقتادة والزُّهريِّ والسُّدِّيِّ (٥).
وقيل: القتلُ معطوفٌ على التَّوبة؛ أي: ارجِعوا إلى اللَّه تعالى بالإيمان، فقد أعرضتُم عنه بالكفرِ، بعبادةِ العجل، واقتلوا أنفسَكم بعد هذه التَّوبة.
ومعناه: فليَقتل بعضُكم بعضًا؛ لأنَّ المؤمنين إخوةٌ، وأخو الرَّجلِ كأنَّه نفسُه، وهو كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} النساء: ٢٩، {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} الحجرات: ١١،
(١) في (ر) و (ف): "أي: توبتكم بالإقامة" بدل: "ثواب الإقامة".
(٢) من قوله: "قوله تعالى: باتخاذكم" إلى هنا من (أ).
(٣) في (ف): "براء".
(٤) في (ر): "إذا".
(٥) انظر تخريج أقوالهم في "تفسير الطبري" (١/ ٦٧٩ - ٦٨٣).