وقيل: أي: أيظنُّ مع ما (١) خُلق للامتحان أن لن يقدر على مجازاته بسوء أعماله أحد؟! بل يقدر على ذلك مَن خلقَه، وبالأمر والنَّهي تعبَّده.
{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا}: أي: كثيرًا، تلبَّد بعضُه على بعض؛ أي: تراكب، وليس بمعدول، بل هو نعت كالحُطَم والزُّفَر (٢).
وقيل: معناه: يتبجَّح ويقول: أهلكْتُ مالًا كثيرًا في قضاء أوطاري، ودفعْتُ عنِّي أعدائي، فلم يقدر عليَّ أحدٌ من أضدادي، وكذا أنفقُه في قمع مَن يقصد مَساءتي من محمَّد وأصحابِه، فلا يصلُون إليَّ.
{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}: حين فعل ذلك، بل رآه اللَّه تعالى، وسيجزيه على ما فعل إذا أنفقَه في الشَّرِّ دون الخير.
وقيل: أظهر أنَّه أنفق الكثير في عداوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتكثَّر به عند المشركين كاذبًا، فأكذبه اللَّه تعالى بهذا.
* * *
(٨ - ١١) - {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}.
قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ}؛ أي: لهذا الإنسان، استفهام بمعنى التَّقرير.
{عَيْنَيْنِ}: يبصر بهما {وَلِسَانًا}: ينطق به {وَشَفَتَيْنِ}: يستعين بهما على الإبانة باللِّسان وينتفع بهما في غير ذلك.
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}: أي: بيَّنا له الطَّريقين؛ روى أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن
(١) في (ر): "أيظن أنه ما".
(٢) الزفر: الشجاع، والأسد، والبحر، وله معان أخرى كثيرة.