الرجلُ يجيءُ إلى قومِه وهم جلوسٌ بأفنية بيوتهم (١) ويقول: إنَّ هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين سُيوفهم (٢)، فاتَّقوا اللَّه واصبروا، فلعنَ اللَّهُ رجلًا حلَّ حبوتَهُ أو قامَ مِن مجلسِه، أو مدَّ طَرْفَه إليهم، أو اتَّقاهم بيدٍ أو رجلٍ. فقالوا: آمين، فجعلوا يقتلونهُم إلى المساء.
وقال مقاتلٌ: كان موسى صلوات اللَّه عليه يتقدَّم ويقول: هؤلاء إخوانُكم أتوكُم شاهرين السُّيوف، كما مرَّ، وقتلوهم إلى الضَّحوةِ، حتَّى بلغَ القتلى سبعين ألفًا (٣).
وقال الكلبيُّ: وقام موسى صلواتُ اللَّه عليه يدعو ربَّه لِما رأى مِن كثرةِ الدِّماء وشدَّةِ الأصوات، حتَّى نزلَت التَّوبة، وقيل لموسى: ارفع السَّيف، فإنِّي قبلتُ التَّوبةَ منهم جميعًا، مَن قُتِلَ منهم ومن لم يُقتَل (٤)، وجَعلتُ القتلَ لهم شهادةً، وغفرتُ لمَن بقيَ منهم، فنودي بذلك، فتركوا.
وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ}: أي: ذلك القتلُ، والتَّوبةُ، أو القتلُ الذي هو توبةٌ: أنْفَعُ لكم عند اللَّه مِن الامتناعِ الذي هو إصرارٌ وفيه عذابُ النَّار.
وقوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}: أي: فعلتُم ذلك، فقَبِل توبتكم.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: أي: كثيرُ قَبول التَّوبة، وقولُه تعالى: {الرَّحِيمُ} أي: رحِمَكم، فقَبِلَ توبتَكُم، ففَتَحَ بابَ التَّوبة وقَبِلَها.
(١) في (ر): "البيوت".
(٢) في (ر): "السيوف".
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ١٠٦).
(٤) انظر "تفسير أبي الليث" (١/ ١٢٠ - ١٢١).