به الاقتصار على رؤيتين، وهو كقوله: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} الملك: ٣ - ٤، كأنه قال: إن كنتُم شاكِّين فيها اليوم فلترونَّها رؤيةً دائمةً متصلةَ، فزول عنكم الشكوك.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}: {ثُمَّ} هاهنا لترتيب الإخبار لا للوجود.
ويحتمِل أن يكون هذا على ظاهره، ويكون هذا سؤالَ توبيخ في النار؛ كقوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} الملك: ٨، وكقوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} المدثر: ٤٢، يقول: لتُسألن يومئذ عن النعيم الذي تكاثرتُم به وألهاكم ذلك عن شكره وطاعةِ اللَّه بقوته، وهذا على عمومِ كلِّ النِّعم.
وما روي في هذا من التخصيص فهو ذكرُ بعض النِّعم وتنبيهٌ على مثله، ومن ذلك ما روي في الحديث الطويل: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على أبي الهيثم بن التِّيهان مع جماعة من أصحابه، فقدم إليهم تمرًا وماء واتخذ لهم شواءً وخبزًا، فقال: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" (١).
وروى أبو هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصحِّح لك جسمك ونَرْوِك من الماء البارد" (٢).
وقال محمد بن كعب القرظي: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يعني: عما أنعمَ اللَّه عليكم بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (٣).
(١) رواه مسلم (٢٠٣٨)، والترمذي (٢٣٦٩) -وقال: حسن صحيح-، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. وليس في رواية مسلم تعيين الرجل، وما بين معكوفتين سقط من النسخ.
(٢) رواه الترمذي (٣٣٥٨)، وابن حبان في "صحيحه" (٧٣٦٤)، والحاكم في "المستدرك" (٧٢٠٠). قال الترمذي: حديث غريب.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٢٨٢)، والماوردي في "النكت والعيون" (٦/ ٣٣٢).