وقوله تعالى: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} أي: مُظهِرٌ أمرَ القتيلِ بحقِّه وصدقِه، وقد بيَّنَّا وجوهَ الخروجِ والإخراجِ فيما مرَّ.
وقيل: هذه الآيةُ مقدِّمة في المعنى؛ أي: واذكروا إذ وَقعَت هذه الحادثةُ فيكم، فسألتُم موسى بيانَ (١) أمرها، فقال: إنَّ اللَّهَ يأمرُكُم أن تَذبحوا بقرةً، وتَضربُوهُ ببعضِها، فيَحْيَى، فيُخبرَكم (٢) عمَّن قتلَه، فقلتم له: أتتَّخِذنا هُزُوًا. إلى آخرها.
والتَّقديمُ والتَّأخيرُ في الأخبارِ والتِّلاوة إذا لم يُوقِع الخَلَل والتَّناقُضَ جائزٌ، ألَا ترى أنَّ العِدَّة بأربعة أشهرٍ وعشر ناسخةٌ للعدَّة بسنةٍ متاعًا إلى الحول غير إخراج، ثمَّ النَّاسِخُ مقدَّم في التِّلاوةِ، والمنسوخُ متأخِّر.
وقيل: كان هذا في وقتين؛ ذكرَ اللَّهُ تعالى أمرَ البقرةِ تسليةً لقلبِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ قومَ موسى صلوات اللَّه عليه نَسبوا موسى إلى الهُزْو، واستَقصَوا بالسُّؤالِ (٣)، فسألَتِ الصَّحابةُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي عنهم: لم كانوا مأمورين بذبح البقرة؟ فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ، ودليلُ هذا أنَّ الأوَّلَ خطابُ موسى عليه السلام لقومه (٤)، والثَّاني خطابُ اللَّهِ تعالى أولادَ القائلين.
ثمَّ اختُلِفَ في الآية الثَّانية؛ أنَّ الخطابَ لأيِّ قومٍ؟ قيل: هو (٥) لبني إسرائيل الذين كانوا في عصرِ موسى عليه السلام.
ومعنى قوله تعالى: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} أي: من أمرِ القاتلِ ليظهرَ البريءُ
(١) في (أ): "ببيان".
(٢) في (ف): "ويخبركم".
(٣) في (أ): "في السؤال".
(٤) في (ف): "قومه"، وليست في (ر).
(٥) لفظ: "هو" من (أ).