وأمَّا تفسيرُه فقد قال مجاهدٌ والسُّدِّيُّ: أي: يُحرِّفون التوراة (١).
وقال محمد بن إسحاق والربيع: أي: الوحي الذي يسمعونه من موسى عليه السلام مِن بعد ما علِموا تأويلَه، وعرفوه (٢) وفهموه (٣).
وقيل: هو تحريفُ أحكام الكتاب، فإنَّهم كانوا يُفتون المستفتين مِن الفقراء بما في الكتاب، وإذا استفتاهم الغنيُّ أخذوا الرِّشوة، وغيَّروا حكمَ التَّوراة (٤) على وفق هوى الغنيِّ، كما غيَّروا آيةَ الرَّجم تخفيفًا على الأغنياء بأخذ الرِّشوة، وغيَّروا حكمَ الكتاب، يقول: كيف يؤمِنُ هؤلاء وهم يقلِّدون أولئك الآباء.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أنه من عند اللَّه، ويعلمون أنَّه رسولُ اللَّه، وأنَّه حقٌّ.
وقال: معنى الآية أنَّهم مع كثرةِ ما عاينوا من الآياتِ، وشاهَدوا من العجائب في عهد موسى صلوات اللَّه عليه؛ لم يَطمع هو في إيمانهم، فكيف طمعتُم أنتم في إيمان هؤلاء وهم أتباعُهم؟ (٥)
وقيل: معناه: كيف ترجون إيمانَ أتباعِ هؤلاء، وفريقٌ مِن هؤلاء سمعوا القرآنَ مِن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثمَّ حرَّفوا تأويلَهُ بعد ما علموه.
وقال القفال: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}؛ أي: يتأوَّلونه على غيرِ تأويلِه، ويَعدِلون به عن
(١) رواه ابن أبي حاتم (١/ ١٤٩) (٧٧٤) عن السدي.
(٢) في (أ): "ويحرفوه"، وهو تحريف.
(٣) قولا ابن إسحاق والربيع أوردهما مكي في "الهداية" (١/ ٣١٥).
(٤) في (أ): "الكتاب".
(٥) "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٦٥).