وهذا (١) فيه إثباتُ رسالةِ محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه أخبرَ أنَّهم لن يتمنَّوه أبدًا، فكان كما قال، فدلَّ على أنَّه مِن عند اللَّه.
قال ابنُ عباسٍ رضي اللَّه عنهما: كأنَّ اللَّه حتمَ (٢) أنَّه لا يتمنَّى أحدٌ مِن بني إسرائيل ممَّن قرأ التَّوراةَ، وشهد بما فيها، وأنَّها (٣) مِن عندِ اللَّه، ثمَّ كفرَ بما فيها؛ إلَّا ماتَ (٤) مِن ساعتِه.
وفي روايةٍ قال: لو تمنوا الموت لشرقوا به، وماتوا جميعًا (٥).
وقال القفَّال: لم يخلُ ذلك من أحدِ أمرَين:
إمَّا أن علِموا صِدقَهُ، وأنَّهم لو تمنَّوه لم يُمهَلوا وماتوا، وفي ذلك دليل أنَّهم عرفوا نبوَّته فعاندوه.
وإما أن لم يَعلموا ذلك، ومنعَهم اللَّهُ عن هذا التمنِّي، وصرَفَهم عنه، وأحدثَ فيهم ما أزالَ تمنِّيهُ عن قلوبهم، وفي ذلك بيانُ صدقِه؛ لأنَّ هذا أمرٌ خارجٌ عن العادات لا يفعلُه اللَّهُ إلَّا لإيراد معجزةٍ تَدُلُّ على نبوَّة نبيٍّ.
وعن نافعٍ قال: جلس إلينا يهوديٌّ يخاصمُنا، فقال: إنَّ في كتابكم: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} البقرة: ٩٤، وأنا ذا أتمنَّى الموت، فما لي لا أموت؟ فسمع ذلك ابنُ عمر رضي اللَّه عنهما، فدخل بيتَه، فأخذ السيفَ ثمَّ خرج، ففرَّ اليهوديُّ حين رآه، فقال ابنُ عمر رضي اللَّه عنهما: أمَا واللَّه لو أدركتُه لضربتُ عنقَه، توهَّم هذا الجاهلُ أنَّ
(١) لفظ: "هذا" من (ف).
(٢) بعدها في (ف): "لهم".
(٣) في (أ): "فإنها".
(٤) في (ف) و (ر): "من الإماتة" بدل: "إلا مات"، وهو تحريف.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٢٦٨).