وقوله {نَبَذَهُ} قال قتادةُ وابنُ جريج: أي: نقضَهُ (١)، وأصلُه: الطَّرحُ والرَّمي، ومنه قوله: {فَنَبَذْتُهَا} طه: ٩٦؛ أي: ألقيتُها في العِجْل، والمنبوذُ: الملفوظ؛ لأنَّه نُبِذ، وقوله: {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} مريم: ٢٢ أي: تباعدت، هو من الأوَّل، وظاهرُه: نبذُ العهدِ وراء الظَّهر، ومعناه: النَّقْضُ.
والفريقُ: الطَّائفةُ، ويكون للقليل والكثير، وظهر بما بعده أنَّه أراد به الكثير؛ وهو قوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
وقيل: أي: نقضَهُ فريقٌ منهم عنادًا، وأكثرُهم نَقضَهُ جهلًا، فكلُّهم كفَّارٌ؛ بعضُهم بنقض العهدِ، وأكثرُهم بجحودِ الحقِّ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: نبذوا الكتابَ وخالفوهُ كأنَّهم جهلةٌ به وبالعهد الذي عليهم في التَّوراةِ وغيرها.
وقال الشَّعبيُّ: وصفَهم أنَّهم نبذوا ذلك لنبذِهم العملَ به (٢).
ثمَّ بيانُ نقضِهم العهودَ مرارًا: أنَّه كان مِنَ المواثيق عليهم أنَّهم إذا جاءهم محمَّدٌ آمنوا به ونصروه، فلم يفعلوا.
ومنها: أنَّهم كانوا يستفتحون به، فلمَّا جاءهم؛ كفروا به.
ومنها: أنَّهم كانوا هادَنوا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَقضوه يومَ الخندق، وطابقوا كفَّار قريشٍ عليه -أي: عاهدوا- حتَّى جرى على بني قريظةَ ما جرى، وكذا على بني النَّضِير.
ومنها: أنَّهم عاهدوهُ أنَّه لو أجابَهم عمَّا سألوه آمنوا به، وأجابهم فلم يؤمنوا.
* * *
(١) روى قوليهما الطبري في "تفسيره" (٢/ ٣٠٩).
(٢) من قوله: "وغيرها وقال الشعبي" إلى هنا من (أ). وانظر قول الشعبي في "تفسير الثعلبي" (١/ ٢٤٢).