أحدهما: أنَّ {مَا} كلمةُ نفيٍ، ومعناه: ولم ينزِّل على الملَكَين؛ وهو قول ابن عبَّاسٍ وأنس (١) وقتادة والشَّعبيِّ، وهو معطوفٌ على قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}؛ أي: لم يكفر هو، ولم ينزِّل اللَّه السحرَ على الملَكَين، وذلك أنَّ السَّحرةَ واليهودَ كانوا يُضِيْفُون السِّحر إلى سليمان، وإلى الملَكَين فبرَّأهم اللَّه تعالى عن ذلك.
وقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} أي: أحدًا، و {مِنْ} للتَّأكيد؛ كما قال: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} الحاقة: ٤٧؛ أي: ولا يعلِّم الملَكَان أحدًا السِّحر، بل يبالغان في نهيه، ويقولان (٢): {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}؛ أي: امتحانٌ واختبار لك، ننهاك عن السحر، فإن قَبِلْتَ نَهْيَنا؛ نجوت، وإنْ لم تقبلْ؛ خَسِرْت.
وقوله: {فَلَا تَكْفُرْ}؛ أي: فلا تسحَر، فإنَّه كفرٌ.
والفتنةُ: ما يتبيَّن لهما (٣) حال الإنسان مِنَ الخير والشر. يقال: فتنتُ الذَّهبَ بالنار؛ إذا جرَّبتَه بها لتَعْلَمَ أنَّه خالصٌ أو منسوبٌ، ومنه الفتَّانة: وهي الحجرُ الذي يُجَرَّب به الذهب والفضَّة.
وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} قوله: {مِنْهُمَا} لا يرجع إلى الملَكَين، فقد نَفى التعليمَ منهما على هذا التَّأويل، بل التَّثنيةُ راجِعةٌ إلى الكُفر والسِّحر، فقد ذُكِرَا جميعًا قبله في قوله: {كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} أي: فيتعلَّم اليهودُ مِنَ الكفر والسِّحر مِنَ الشياطين ما يقعُ
(١) كذا، ولعل الصواب: "والربيع بن أنس"، وعنه وعن ابن عباس أخرجه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٣٣١).
(٢) بعدها في (ف): "قوله تعالى".
(٣) في (أ): "به"، وفي (ر): "بها".