وَكَذلِكَ ومثل ذلك التمكين الظاهر مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في أرض مصر. روى أنها كانت أربعين فرسخا في أربعين يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قرئ بالنون والياء، أى: كل مكان أراد أن يتخذه منزلا ومتبوّأ له، لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخوله تحت ملكته وسلطانه. روى أنّ الملك توّجه، وختمه بخاتمه، ورداه بسيفه. ووضع له سريراً من ذهب مكللا بالدرّ والياقوت. روى أنه قال له: أمّا السرير فأشدّ به ملكك. وأمّا الخاتم فأدبر به أمرك، وأمّا التاج فليس من لباسى ولا لباس آبائي. فقال: قد وضعته إجلالا لك وإقراراً بفضلك. فجلس على السرير ودانت له الملوك، وفوّض الملك إليه أمره وعزل قطفير، ثم مات بعده، فزوّجه الملك امرأته زليخا، فلما دخل عليها قال: أليس هذا خيراً مما طلبت؟ فوجدها عذراء، فولدت له ولدين: إفراثيم وميشا، وأقام العدل بمصر، وأحبته الرجال والنساء، وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس، وباع من أهل مصر في سنى القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلى والجواهر، ثم بالدواب، ثم بالضياع والعقار، ثم برقابهم حتى استرقهم جميعاً، فقالوا: والله ما رأينا كاليوم ملكا أجلّ ولا أعظم منه، فقال للملك: كيف رأيت صنع الله بى فيما خوّلنى فما ترى؟ قال: الرأى رأيك:
قال: فإنى أشهد الله وأشهدك أنى أعتقت أهل مصر عن آخرهم. ورددت عليهم أملاكهم، وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير، تقسيطاً بين الناس. وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام نحو ما أصاب أرض مصر، فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا واحتبس بنيامين بِرَحْمَتِنا بعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم مَنْ نَشاءُ من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أن نأجرهم في الدنيا.
سورة يوسف (١٢) : آية ٥٧
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لهم. قال سفيان بن عيينة: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا، وما له في الاخرة من خلاق، وتلا هذه الآية.
سورة يوسف (١٢) : آية ٥٨
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)
لم يعرفوه لطول العهد «١» ومفارقته إياهم في سنّ الحداثة، ولاعتقادهم أنه قد هلك، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه واهتمامهم بشأنه، ولبعد حاله التي بلغها من الملك والسلطان
(١) . قال محمود: «إنما أنكروه لبعد العهد وتغيير الصورة … الخ» قال أحمد: وتوارد القادمين في دخولهم عليه ومعرفته لهم عند ذلك، تدل على أن مجرد دخولهم عليه استعقبته المعرفة بلا مهلة، والله أعلم.