الوجل: أرادوا أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل. يعنى أَبَشَّرْتُمُونِي مع مس الكبر، بأن يولد لي. أى: أن الولادة أمر عجيب مستنكر في العادة مع الكبر فَبِمَ تُبَشِّرُونَ هي ما الاستفهامية، دخلها معنى التعجب، كأنه قال: فبأى أعجوبة تبشروني. أو أراد: أنكم تبشروننى بما هو غير متصوّر في العادة، فبأى شيء تبشرون، يعنى: لا تبشروننى في الحقيقة بشيء، لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء. ويجوز أن لا يكون صلة لبشر، ويكون سؤالا عن الوجه والطريقة يعنى: بأى طريقة تبشروننى بالولد، والبشارة به لا طريقة لها في العادة. وقوله بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ يحتمل أن تكون الباء فيه صلة، أى: بشرناك باليقين الذي لا لبس فيه، أو بشرناك بطريقة هي حق وهي قول الله ووعده، وأنه قادر على أن يوجد ولداً من غير أبوين، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وقرئ: تبشرون، بفتح النون وبكسرها على حذف نون الجمع، والأصل تبشرونن، وتبشرونِّ «١» بإدغام نون الجمع في نون العماد. وقرئ: من القنطين، من قنط يقنط. وقرئ:
ومن يقنط، بالحركات الثلاث في النون، أراد: ومن يقنط من رحمة ربه إلا المخطئون طريق الصواب، أو إلا الكافرون، كقوله لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ يعنى: لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته، ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها الله.
سورة الحجر (١٥) : الآيات ٥٧ الى ٦٠
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠)
فإن قلت قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ استثناء متصل أو منقطع؟ «٢» . قلت، لا يخلو من من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعاً، لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلا، كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فإن قلت: فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟ قلت: نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا.
ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمىّ. في أنه في معنى التعذيب
(١) . قوله «وتبشرون» بكسر النون والتشديد. قاله النسفي. (ع)
(٢) . قال محمود: «إن قلت هل الاستثناء الأول متصل … الخ» قال أحمد: وجعله الأول منقطعاً أولى وأمكن، وذلك أن في استثنائهم من الضمير العائد على قوم منكرين بعداً، من حيث أن موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأول، وهذا الدخول متعذر من التنكير، ولذلك قلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفى، لأنها حينئذ أعم، فيتحقق الدخول لولا الاستثناء، ومن ثم لم يحسن رأيت قوماً إلا زيداً وحسن ما رأيت أحداً إلا زيداً، والله أعلم.