يقول خاصة الملك: دبرنا كذا وأمرنا بكذا، والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه. وقرئ: قدرنا، بالتخفيف.
سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦١ الى ٦٦
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)
وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)
مُنْكَرُونَ أى تنكركم نفسي وتنفر منكم، فأخاف أن تطرقوني بشرّ، بدليل قوله بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ أى ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوّك، وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله، فيمترون فيه ويكذبونك بِالْحَقِّ باليقين من عذابهم وَإِنَّا لَصادِقُونَ في الإخبار بنزوله بهم. وقرئ:
فأسر، بقطع الهمزة ووصلها، من أسرى وسرى. وروى صاحب الإقليد: فسر، من السير والقطع في آخر الليل. قال:
افْتَحِى الْبَابَ وَانْظُرِى فِى النُّجُومِ … كَمْ عَلَيْنَا مِن قِطعِ لَيْلٍ بَهِيمِ «١»
وقيل: هو بعد ما يمضى شيء صالح من الليل. فإن قلت: ما معنى أمره باتباع أدبارهم «٢» ونهيهم عن الالتفات؟ قلت قد بعث الله الهلاك على قومه، ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجراً فلم يكن له بدّ من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم، فلا تفرط منهم التفاتة احتشاماً منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم
(١) . يقول لصاحبته وكان يحب طول الليل ويدعيه: افتحي باب البيت وانظري وتأملى في النجوم، أمالت جهة الغرب أم لا؟ وكم: يحتمل أنها خبرية التكثير، ويحتمل أنها استفهامية، ثم يحتمل أنها مستأنفة، ويحتمل أن الفعل قبلها معلق عن العمل في لفظها لأن لها الصدارة. والمراد من هذا الأمر طلب إخباره بما تعلمه بعد النظر من جواب الاستفهام المذكور. وقطع الليل: ظلمته. وقال في الصحاح: ظلمة آخره، والمراد به هنا جزء الليل.
والبهيم: شديد الظلام لانبهام الأشياء فيه، ووصفه بذلك ملائم للمقام.
(٢) . قال محمود: «إن قلت: ما معنى أمره باتباع أدبارهم … الخ» قال أحمد: ولبعض هذه المقاصد عاتب الله تعالى نبيه موسى عليه السلام حيث تقدم قومه فقال وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى
والله أعلم.