ثماني مراحل من مصر. وعن وهب: أنه لبث عند شعيب ثمانيا وعشرين سنة، منها مهر ابنته، وقضى أو في الأجلين. أى سبق في قضائي وقدرى أن أكلمك وأستنبئك، وفي وقت بعينه قد وقته لذلك، فما جئت إلا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر. وقيل: على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة. هذا تمثيل لما خوّله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم. مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه وخصائص، أهلا لئلا يكون أحد أقرب منزلة منه إليه، ولا ألطف محلا، فيصطنعه بالكرامة والأثرة، ويستخلصه لنفسه.
ولا يبصر ولا يسمع إلا بعينه وأذنه، ولا يأتمن على مكنون سره إلا سواء ضميره «١» .
سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٢ الى ٤٤
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤)
الونى. الفتور والتقصير. وقرئ: تنيا، بكسر حرف المضارعة للإتباع، أى: لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكرى جناحا تصير ان به مستمدين بذلك العون والتأييد منى، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكرى. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها، فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر. روى أن الله تعالى أوحى إلى هرون وهو بمصر أن يتلقى موسى. وقيل: سمع بمقبله. وقيل: ألهم ذلك. قرئ لَيِّناً بالتخفيف والقول اللين. نحو قوله تعالى هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى لأنّ ظاهره الاستفهام والمشورة، وعرض ما فيه من الفوز العظيم. وقيل: عداه شبابا لا يهرم بعده، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت، وأن تبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته. وقيل: لا تجبهاه بما يكره، والطفا له في القول «٢» ، لما له من حق تربية موسى، ولما ثبت له من مثل حق الأبوّة. وقيل:
كنياه وهو من ذوى الكنى الثلاث: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرّة. والترجي لهما، أى: اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد «٣» بأقصى وسعه. وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ
(١) . قوله «سواء ضميره» في الصحاح «سواء الشيء» : وسطه. (ع)
(٢) . قوله «وقيل: لا تجبهاه بما يكره» في الصحاح «جبهته بالمكروه» إذا استقبلته به، وفيه «الطف في العمل» الرفق به. (ع)
(٣) . قوله «ويحتشد بأقصى وسعه» أى يستعد ويتأهب. أفاده الصحاح. (ع)