وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة. فإن قلت: كانت البقرة التي تناولها الأمر بقرة من شق البقر غير مخصوصة، ثم انقلبت مخصوصة بلون وصفات، فذبحوا المخصوصة، فما فعل الأمر الأوّل؟ قلت: رجع منسوخا لانتقال الحكم إلى البقرة المخصوصة، والنسخ قبل الفعل جائز. على أنّ الخطاب كان لإبهامه متناولا لهذه البقرة الموصوفة كما تناول غيرها.
ولو وقع الذبح عليها بحكم الخطاب قبل التخصيص لكان امتثالا له، فكذلك إذا وقع عليها بعد التخصيص وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم فَادَّارَأْتُمْ فاختلفتم واختصمتم في شأنها، لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاً، أى يدفعه ويزحمه. أو تدافعتم، بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض، فدفع المطروح عليه الطارح. أو لأنّ الطرح في نفسه دفع. أو دفع بعضكم بعضاً عن البراءة واتهمه وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوماً. فإن قلت: كيف أعمل مخرج وهو في معنى المضىّ؟
قلت: وقد حكى ما كان «١» مستقبلا في وقت التدارؤ. كما حكى الحاضر في قوله: (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما (فَادَّارَأْتُمْ) و (فَقُلْنا)
والضمير في اضْرِبُوهُ
إمّا أن يرجع إلى النفس والتذكير على تأويل الشخص والإنسان، وإمّا إلى القتيل لما دل عليه من قوله: (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) . بِبَعْضِها
ببعض البقرة. واختلف في البعض الذي ضرب به، فقيل: لسانها، وقيل: فخذها اليمنى، وقيل: عجبها، وقيل: العظم الذي يلي الغضروف وهو أصل الأذن، وقيل: الأذن، وقيل: البضعة بين الكتفين. والمعنى:
فضربوه فحيى، فحذف ذلك لدلالة قوله: (كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى)
. وروى أنهم لما ضربوه قام بإذن اللَّه وأوداجه تشخب دماً وقال: قتلني فلان وفلان لا بنى عمه، ثم سقط ميتاً، فأخذا وقتلا ولم يورّث قاتل بعد ذلك. كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
إما أن يكون خطابا للذين حضروا حياة القتيل بمعنى وقلنا لهم: كذلك يحيى اللَّه الموتى يوم القيامة وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
ودلائله على أنه قادر على كل شيء لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
تعملون على قضية عقولكم. وأن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص حتى لا تنكروا البعث. وإما أن يكون خطابا للمنكرين في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فإن قلت: هلا أحياه ابتداء؟ ولم شرط في إحيائه ذبح البقرة وضربه ببعضها؟ قلت: في الأسباب والشروط
(١) . قوله «قلت وقد حكى ما كان» لعله «قد» بدون واو. (ع) .....