وتقديره: إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به، فحذف الجزاء، لأن الأمر بالإتيان به يدل عليه.
سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣٢ الى ٣٣
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)
ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر الثعبانية، لا شيء يشبه الثعبان، كما تكون الأشياء المزوّرة بالشعوذة والسحر. وروى أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون، وجعلت تقول: يا موسى، مرني بما شئت. ويقول فرعون: أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا لِلنَّاظِرِينَ دليل على أن بياضها كان شيئا يجتمع النظارة على النظر إليه، لخروجه عن العادة، وكان بياضا نوريا. روى أنّ فرعون لما أبصر الآية الأولى قال: فهل غيرها؟ فأخرج يده فقال له: ما هذه؟ قال: يدك فما فيها؟ فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار «١» ويسدّ الأفق.
سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣٤ الى ٣٥
قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (٣٥)
فإن قلت: ما العامل في حَوْلَهُ؟ قلت: هو منصوب نصبين: نصب في اللفظ، ونصب في المحل، فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف، والعامل في النصب المحلى وهو النصب على الحال: قال: ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين، وبقي لا يدرى أى طرفيه أطول، حتى زلّ عنه ذكر دعوى الإلهية، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية، وارتعدت فرائصه، وانتفخ سحره خوفا وفرقا «٢» ، وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم: أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحسّ به من جهة موسى عليه السلام وغلبته على ملكه وأرضه، وقوله إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ قول باهت إذا غلب ومتمحل إذا لزم تَأْمُرُونَ من المؤامرة وهي المشاورة. أو من الأمر الذي هو ضدّ النهى: جعل العبيد آمرين وربهم مأمورا لما استولى عليه من فرط الدهش والحيرة. وماذا منصوب: إما لكونه في معنى المصدر، وإما لأنه مفعول به من قوله: أمرتك الخير.
(١) . قوله «ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار» في الصحاح «الغشاء» : الغطاء اه. ولعل عبارة المصنف يعشى بالعين المهملة، وفي الصحاح «العشا» مقصور: مصدر: الأعشى، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. (ع)
(٢) . قوله «وانتفخ سحره خوفا وفرقا» في الصحاح «السحر» : الرئة. ويقال للجبان: قد انتفخ سحره. (ع)