والكثير المفضل عليه: من لم يؤت علما. أو من لم يؤت مثل علمهما. وفيه:
أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير. وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم. وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباد الله، كما قال وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ورثة الأنبياء «١» » إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة، لأنهم القوّام بما بعثوا من أجله. وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة لوازم، منها: أن يحمدوا الله على ما أوتوه من فضلهم على غيرهم. وفيها التذكير بالتواضع، وأن يعتقد العالم أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم. وما أحسن قول عمر: كل الناس أفقه من عمر «٢» .
سورة النمل (٢٧) : آية ١٦
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)
ورث منه النبوّة والملك دون سائر بنيه- وكانوا تسعة عشر- وكان داود أكثر تعبدا، وسليمان أقضى وأشكر لنعمة الله وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ تشهيرا لنعمة الله، وتنويها بها، واعترافا بمكانها، ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير، وغير ذلك مما أوتيه من عظائم الأمور. والمنطق: كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف، المفيد وغير المفيد.
وقد ترجم يعقوب بن السكيت كتابه بإصلاح المنطق، وما أصلح فيه إلا مفردات الكلم، وقالت العرب: نطقت الحمامة، وكل صنف من الطير يتفاهم أصواته، والذي علمه سليمان من منطق الطير: هو ما يفهم بعضه من بعض من معانيه «٣» وأغراضه. ويحكى أنه مر على بلبل في شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم: قال يقول:
أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا.
وصاح طاوس، فقال يقول: كما تدين تدان. وصاح هدهد، فقال يقول: استغفروا الله يا مذنبين.
(١) . أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث أبى الدرداء، من حديث رواه «من سلك طريقا يلتمس فيه علما وفيه: إن العلماء ورثة الأنبياء» وله طرق عند الطبراني. وفي الباب عن البراء وابن عمرو ابن العاص أخرجهما أبو نعيم في كتاب فضل العالم العفيف على الجاهل الشريف. وعن ابن مسعود أخرجه ابن حمزة السهمي في تاريخ جرجان. وعن جابر أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة أحمد بن محمد الثلجى. وفي إسناده الضحاك بن حجزة. وهو متهم بوضع الحديث
(٢) . تقدم في سورة النساء
(٣) . قوله «هو ما يفهم بعضه من بعض معانيه» عبارة النسفي: والمنطق: كل ما يصوت من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد، وكان سليمان عليه السلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض اه (ع)