يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ القرآن وَالْحِكْمَةَ الشريعة وبيان الأحكام وَيُزَكِّيهِمْ ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس، كقوله: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) .
سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٠ الى ١٣١
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١)
وَمَنْ يَرْغَبُ إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم. ومَنْ سَفِهَ في محل الرفع على البدل من الضمير في يرغب، وصح البدل لأنّ من يرغب غير موجب، كقولك: هل جاءك أحد إلا زيد (سَفِهَ نَفْسَهُ) امتهنها واستخف بها.
وأصل السفه: الخفة. ومنه زمام سفيه. وقيل انتصاب النفس على التمييز، نحو: غبن رأيه وألم رأسه. ويجوز أن يكون في شذوذ تعريف المميز نحو قوله:
وَلَا بِفَزَارَةَ الشُّعُرِ الرِّقَابَا «١»
أجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ «٢»
(١) .
فما قومي بثعلبة بن سعد … ولا بفزارة الشعر الرقابا
وقومي- إن سألت- بنو لؤي … بمكة علموا مضر الصوابا
لحارث بن ظالم المري، يدعى أنه من قريش، وأن أمه خرجت به إلى مرة وهو صغير، فنسب إليهم. وثعلبة وفزارة ومضر: أسماء قبائل، ووصف ثعلبة بابن لها للأصل فانه اسم أبى القبيلة. والشعر: جمع أشعر كحمر وأحمر. والرقاب:
تمييز معرفة على رأى الكوفيين. وأشعر الرقبة يطلق على الأسد، وعلى أغم القفا- وهو المراد. يقول: ليس قومي هؤلاء الأخسة، وإنما أنا من بنى لؤي. وإن سألت: اعتراض بين المبتدأ وخبره. ومضر، والصواب:
مفعولان لعلموا.
(٢) .
فان يهلك أبو قابوس يهلك … ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذئاب عيش … أجب الظهر ليس له سنام
النابعة الذبياني يرثى النعمان المعافى بن الحارث الأصغر ملك العرب. وقيل لجرير، وليس بذاك. يقول: فان يتبين هلاك النعمان يتبين هلاك ربيع الناس. شبهه بالربيع وهو المطر، أو النهر، أو فصل الربيع، أو الخصب، في أن كلا يعم خيره الناس. وشبهه بالشهر الحرام في أن كلا أمان للناس من الحروب والمخاوف. وروى: والبلد الحرام.
أى مكة. شبهه بها في الأمان أيضا. ويجوز أن المعنى إن يهلك هو يهلك تبعا له عطاؤه وجاهه الشبيهان بالربيع وبالشهر الحرام في النفع والأمان، وكل ذلك على سبيل الاستعارة التصريحية. ويجوز أنه كان يحفظ لهم ربيعهم عن رعى غيرهم وحرمة شهرهم عن هتكها، بأن يغار عليهم فيه، فلا استعارة إلا في هلاك الشهر. وروى نأخذ: بالحركات الثلاث، وكذلك كل مضارع معطوف على جواب الشرط، فالجزم على العطف، والرفع على الاستئناف. والنصب بإضمار إن لشبه الشرط بالنفي، لكنه قليل. والذناب- بالكسر-: ذنب البعير والفرس، وعقب كل شيء. وشبه العيش الضنك الضيق الناقص ببعير مهزول على طريق المكنية. والذناب، والظهر، والسنام- بالفتح- تخييل، وأجب الظهر: منقطعه، أى ونتمسك بعده بطرف عيش وبقية منه ضيقة قليلة، كالبعير المقطوع الظهر، وبين ذلك بقوله: ليس له سنام. وأجب: صفة مشبهة ممنوع من الصرف، فيجر بالفتحة على الصفة لعيش. وقيل نصب على الحال. وروى بالرفع على الخبرية لمحذوف، ويروى الظهر بالرفع، فاعلا للصفة، أو بدلا من الضمير فيها وفتحه النحاة، وبالنصب تشبيها بالمفعول أو تمييزاً على مذهب من ميز بالمعرفة وضعفوه وبالجر باضافة أجب إليه فيجر أجب بالكسرة، وحسنوا هذا.