الْكِتابَ للجنس والضمير في لِقائِهِ له. ومعناه: إنا آتينا موسى عليه السلام مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ولقيت نظيره كقوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ونحو قوله مِنْ لِقائِهِ قوله وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ وقوله وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. وجعلنا الكتاب المنزل على موسى عليه السلام هُدىً لقومه وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه، لصبرهم وإيقانهم بالآيات. وكذلك لنجعلنّ الكتاب المنزل إليك هدى ونورا، ولنجعلنّ من أمّتك أثمة يهدون مثل تلك الهداية لما صبروا عليه من نصرة الدين وثبتوا عليه من اليقين.
وقيل: من لقائك موسى عليه السلام ليلة الإسراء أو يوم القيامة وقيل: من لقاء موسى عليه السلام الكتاب، أى: من تلقيه له بالرضا والقبول. وقرئ: لما صبروا، ولما صبروا، أى لصبرهم. وعن الحسن رضى الله عنه: صبروا عن الدنيا. وقيل: إنما جعل الله التوراة هدى لبنى إسرائيل خاصة، ولم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل عليه السلام يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يقضى، فيميز المحق في دينه من المبطل.
سورة السجده (٣٢) : آية ٢٦
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦)
الواو في أَوَلَمْ يَهْدِ للعطف على معطوف عليه منوي من جنس المعطوف، والضمير في لَهُمْ لأهل مكة. وقرئ بالنون والياء، والفاعل ما دلّ عليه كَمْ أَهْلَكْنا لأنّ كم لا تقع فاعلة، لا يقال: جاءني كم رجل، تقديره: أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون. أو هذا الكلام كما هو بمضمونه ومعناه، كقولك: يعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال. ويجوز أن يكون فيه ضمير الله بدلالة القراءة بالنون. والْقُرُونِ عاد وثمود وقوم لوط يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يعنى أهل مكة، يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم. وقرئ: يمشون: بالتشديد.
سورة السجده (٣٢) : آية ٢٧
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧)
الْجُرُزِ الأرض التي جرز نباتها أى قطع، إمّا لعدم الماء، وإمّا لأنه رعى وأزيل، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ: جرز. ويدل عليه قوله فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً وعن ابن عباس