أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة، ثم جاء به عاما في جميع الطاعات، لأن هاتين الطاعتين البدنية والمالية هما أصل سائر الطاعات: من اعتنى بهما حق اعتنائه جرّتاه إلى ما وراءهما، ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن، لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم، وليتصوّنوا عنها بالتقوى. واستعار للذنوب: الرجس، وللتقوى: الطهر، لأنّ عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها ويتدنس، كما يتلوث بدنه بالأرجاس. وأما المحسنات، فالعرض معها نقى مصون كالثوب الطاهر. وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولى الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه، ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به. وأَهْلَ الْبَيْتِ نصب على النداء. أو على المدح. وفي هذا دليل بين على أنّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته.
سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٤
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤)
ثم ذكرهن أنّ بيوتهن مهابط الوحى، وأمرهن أن لا ينسين ما يتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين: هو آيات بينات تدل على صدق النبوّة، لأنه معجزة بنظمه. وهو حكمة وعلوم وشرائع إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً حين علم ما ينفعكم ويصلحكم في دينكم فأنزله عليكم.
أو علم من يصلح لنبوّته ومن يصلح لأن يكونوا أهل بيته. أو حيث جعل الكلام الواحد جامعا بين الغرضين.
سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
يروى أنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله، ذكر الله الرجال في القرآن بخير، أفما فينا خير نذكر به؟ إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة «١» . وقيل: السائلة أم سلمة «٢» .
(١) . أخرجه الطبراني وابن مردويه من رواية ابن ظبيان عن ابن عباس: «قال النساء: يا رسول الله، ما لنا لا نذكر في القرآن … الحديث» .
(٢) . أخرجه النسائي من رواية شريك عن محمد بن عمر عن أبى سلمة عن أم سلمة قالت «يا رسول الله مالى أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرن. فأنزل الله تعالى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الآية وأخرجه الطبراني والطبري من وجه آخر عن محمد بن عمر. ورواه أحمد وابن راهويه والنسائي من رواية عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن ابن شيبة عن أم سلمة. وأخرجه الحاكم من طريق مجاهد عن أم سلمة وروى الترمذي عن أم عمارة نحوه.